الاثنين، 24 أبريل 2023

قصيدة تحت عنوان{{خربشات طفولة}} بقلم الشاعر اللبناني القدير الأستاذ{{علاء الغريب}}


 { خربشات طفولة }


هو حلم في بالي 
رافقني في سفري وترحالي
كان يؤرقني
يهز سكون أنفاسي
يتغلغل طيفه داخل إحساسي  
يشد لحاف ليلي المتغافي
ويوقظني من نومي العميق
هو أن أعود لوطني ولبيتي العتيق

........2
لممت شتات أشجاني الملتهبة  
من آهات الغربة 
ووجهت نحوه بوصلة مراكب الروح ومشيت 
كانت تسبقني اليه أنفاسي الحائرة
عند وصولي نظرت اليه من بعيد
نظرة صقر جريح عنيد
تجمدت بريق نظراتي الحائرة
على خد جدرانه الباكية الغائرة
بعشب رطيب وليد
عندها فاض دمي وخفق الوريد 
ثم ثملت أفكاري وتاهت
والروح ماهت
وخالجني شعور غريب ... عجيب
أفرح   
  أحزن  
      أبتسم   
           أبكي
         أصرخ وأثور
        ألتف حوله وأدور
                أقرع الطبول 
                        أفتح الباب
                          أستنشق التراب
                               أركع اليه واعتذر
       أم أخبئ قطرات المأقي 
بين سعاف الجفون قبل أن تنفجر 
 هو شعور من التناقضات
 كغبار الكثبان
    ثارت في خلجاني 
                 ثورة  البركان

.....3
اقتربت اليه
مسحت غبار السنين عن جبين حجارته
لامس خمسي 
ملح عرق أبي المنغمس
بين شقوقه المكدسة
المغموسة بالأسى
ذاب به كذوبان الملح بالعجين
كقُبل سحابة حبلى بالمطر
انهمرت على وجه تشققات الطين
ليبتسم لها ثغر الشجر 
إبتسامة حنين  ... مهللة
عندها بكت أنهار الروح خجلة
وتراجعت مخيلتي 
مستذكرة سنين أمسي

......4
هنا ولدت صرختي الآولى المتجلجلة
هنا كنت أمشي 
على أطراف أصابع قدمي حنجلة
      هنا نطقت بأول الحروف المرتجلة
ربما هي التي كانت  تشدني الى جذوري 
الى نبض أعتابه  وأنفاس جدرانه  
لمحت غرفتي الساكنه الناعسة
ما زالت خربشات أحلامي 
على جدارها الأملس
سمعت منها قهقهات طفولتي العابثة 
حينها .... تجزأت روحي وهامت
شدني  وسافر بي قطار الزمن  
أعادني الى محطة  سنيني الآولى 
ورماني على أرجوحة  أفكار شقاوتي

...5
استحضرت براءة أفكاري  
عندما كانت تلاحقني فكرة
أن يصبح جسدي من هلام
أرتدي قناع الإخفاء وأتخفى   
كي أسطو على كنز الحلوى  
من خزانة أمي 
أو أدخل مدينة الألعاب وأتجول
ألعب وألعب حتى أتعرَّق .... ووجهي يتجمَّر 
وأركب دولاب الهواء دون أن أدفع
وأدير مدفع الماء نحو مُدرِّسي الأصلع  
أو أذهب الى المتجر 
أستبدل لعبتي التي لا تكبر  .... الى أكبر
وأصبغ لون سيارتي
من أصفر الى أحمر لكي تُسرع  
أو أركب خلف الساحرة 
مكنستها الطائرة  ..... خلسة
دون أن تشعر
وتعلو بي الى سقف خزانتي 
لأرى ما فوقها .... لا أكثر 

......6
في صغري
كنت أعتقد 
كل ما أكلت من يدَّ أمي 
فطيرة زعتر
 تحولت الى الرجل الأخضر
وأصبحتَ بطلا  
أدافع بمدرستي 
عن صديقتي كوثر
من سارق الأقلام جوهر 
أقف وقفة مارد 
أراقب  الأطفال في الملاعب
أشد أذن كل من يشاغب
وامشي مشية عنترة 
فأنا الرجل الأخضر الذي لا يقهر

....7
كنت أعتقد
إن شربت كوب حليب عند الفطور
أتحوّل الى قلم طبشور 
أرسم على اللوح 
صورة معلمنا الأعثر
وهو يتبختر
دون أن يشعر 
أو أن أصبح قلمًا
أنقل الأسئلة من درج أستاذي  
وعلى بساط الريح أرحل
أو شبحا .... أعزف في الليل لحن رعب
وأقلد صوت الغضنفر
فترتجف شقيقتي
وتحت غطائها ترتعب وتتكور

....8
هي لحظات استحضار
مرَّت داخل دهاليز أفكاري كالسهم
فما  الحياة يا صاحبي 
إلا رحلة قطار
تأخذ سنيننا المتزعزعة
وتنطلق بِنَا أسرع  
                         وأسرع  
وتبقى الطفولة في محطتها الآولى 
متخفية خلف جدار ذاكرتنا 
                       المترعة بالولع
  لكي لا يراها صفير القطار الموجع
وبدونها يحمل وجوهنا الجديدة ويرحل
فما العمر يا سنيني الشقية 
                        إلا طلقة مدفع

                  •علاء الغريب / كاتب صحفي

ليست هناك تعليقات: