قصة قصيرة
غابة الأحياء
كنت طفلاً بعمر الست أو السبع سنوات تقريباً ، ذهبت مع أمي إلى مقبرة كبيرة وشاسعة المساحة فيها قبور ، قبور جديدة ، قبور قديمة لكنها واضحة المعالم والشاخص ، قبور مهدمة ، قبور مندرسة لا يعرف ساكنها ...
تهت من يد أمي في احد شوارع هذه المقبرة ، كان الجو حاراً جداً ، وصادف إن الشارع مبلط قبل يومين تقريباً من زيارة المقبرة .
وحدي في ذلك اليوم وسط الشارع ، تائه ، لا أنتعل حذاء ، ضاع حذائي ، لا أعرف كيف .
وبعد عناء وجهد ووقت اترقب الطريق ، وإذا بأمي من خلفي تصرخ ، أين ذهبت ، لماذا تتركني ابحث وحدي بين القبور عن أختي وأمي وعن أختك ، لماذا تزيد حزني ومعاناتي للبحث عنك .
لا أعرف جواب غير البكاء وطلب قليل من الماء ، وما زالت قدماي ملتهبة من الاسفلت .
حملتني وغطتني من حرارة الشمس ، غسلت وجهي واقدامي .
رجعنا الى البيت ، سألت أمي ، ماهذه المقبرة ولماذا هم ينامون في هذه الغرف الصغيرة جداً ؟
قالت : هذه تسمى دار البقاء وهذا حجمها الظاهر ، واما حجمها الداخلي يحدده ساكنه قبل أن ينتقل إليه ، أما ان يكون ضيقاً أكثر ونتناً ولا راحة وقرار فيه ، وأما أن يكون وسعه السماوات والارض ، وريحه ريح الجنان .
لم أفهم حينها غير كلمتها الاخيرة ، ستكبر وتعرف أن هذه القبور الضيقة ، هي أوسع عندي من دور غابة الاحياء هذه بعدما رحلوا .
رحلت أمي لدار البقاء ، وصرت ازور الشارع القديم الذي تهت فيه قبل أكثر من خمسة وأربعون عام ، أتذكر بكائي وبكائها ، أبكي عند هذا الموضع ، نعم هنا يمكنني أن ألتقيها ، هنا أشعر بوجعها وألمها وهي تبحث عن أمها وعن أختي كما بحثت عني ، أتوجه لقبرها ، وأرد لها ذرة من جميل صبرها ببكائي .
الكاتب أحمد جبار الجوراني
العراق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق