القصة القصيرة
الرسالة الأخيرة
بعد ان قرب الجوال البعيد . والدنيا تتطورت تطوراً كبيرا . قضى
هذا التطور على وظيفة ساعي البريد . ذلك الرجل الذي عمل بكل الظروف ليوصل رسائل الأحبة لقلوب تنتظر بلهفة ذلك الرجل .
الحاج أحمد عمل بهذه الوظيفة منذ ان كان شابا . هو عاشق لذلك العمل ، تعجبه بدلته وطاقية الرأس ودراجته الهوائية سعيد بها
واليوم يجلس وحيداً بمكتبه ينظر بحزن لتلك الرفوف الخاوية على عروشها . لاشيء بداخلها غير الغبار المتراكم
وكأن عاصفة رملية قد عصفت بها لتدفن كل شيء بداخلها . شد إنتباهه حقل بأحد الرفوف كان قد كتب فوقه (( رسائل مهملة )) ؟
هذا الحقل يحفظ بداخله كل الرسائل التي لم يكتب على ظرفها ( عنوان ) . منذ سنين وهي أمامه لكن لا أحد من حقه ان يفتحها ويقرأ ماكتب بداخلها . فضوله دفعه بعد كل هذه السنين ليقرأ هذه الرسائل . نهض من مكانه ليأخذ إحدداها . إختار الرسالة الأحدث . وترك البقية اللواتي كان تقادم الزمن واضح أغلفتهم . عاد لكرسيه الخشبي . جلس وقلب الرسالة ، كانت بالفعل
(( بلا عنوان )) ؟
شعر بتأنيب الضمير ، كان شعوره سيء للغاية . وكأنه يغتصب حق أحدهم . لكن فضوله كان أكبر من صحوة ضميره . ففتح الرسالة وبدأ بالقراءة . كان كاتبها قد ذكر فيها الآتي :
بعد التحية والسلام
لقارئ رسالتي الذي لايمكنني ان أخمن من سيكون .
أنا على يقين بأن رسالتي هذه ستمزق ، ومستقرها سيكون بسلة المهملات . لكني سأكتب مايدور بداخلي وأترك الأمر لقارأها .
هي ( رسالة بلا عنوان )
كاتبها مجهول وقارأها مجهول
وساعي البريد الذي سيوصل رسالتي هذه هي الآقدار .
رسالتي هي (( الأحدث )) بين كل تلك الرسالة الغافية على رف النسيان !
قبلي كتب والدي ، عمي وخالي ، أخي وصديقي ، وكل تلك الأجيال
التي عاشت على الهامش ورحلت من دون ان تخلف ورائها آثار !
ولن تكون الأخيرة حتى وإن لم يعد الزمان زمان الرسائل . سنكتب على رمال الحزن والشغف لغد لطالما تأصل بداخلنا ولم تشرق على قلوبنا شمسه ولن تشرق لآخر الزمان .
هل نحن بشر ؟
هل تجري بعروقنا دماء ؟
أحقاً يدخل صدورنا هواء الله ؟
لآ إجابة عندي على هذه الأسئلة التي هي أبسط حقوق البشر .
أعتقد بأننا خلقنا دواب على شكل بشر (( أجلكم الله )) . أو ناعور نهر ندور وندور لنسقي حقول من أسعدتهم الأقدار . وهو ظمأن !
أرجوك .. ياقارئ رسالتي إقرأها بعيون قلبك لاتقرأها بعيون وجهك
لتشعر بما أشعر ؟
كل يوم نموت ألف ميتة من نظرات الحرمان لأولادنا وزوجاتنا
نعيش الفاقة ونجمع المال لتلك البطون التي لاتشبع ويحسب عليك العمر (( عمر إنسان )) ؟
هل جائع ؟
هل إحترت بما تستر نفسك عندما تهم بالخروج من بيتك ذو السقف الذي لايقيك الحر ولايحميك من الأمطار ؟
هل جربت ان تأكل كل يوم نفس الطعام الذي من تكراره لم يعد لك رغبة لتناوله ؟
هل و هل و هل .. لو أكتب لك لن تتسع رسالتي هذه لحجم التساؤلات .
نحن ينقصنا كل شيء ، وأي شيء يحطر على بالك . وإن مزقت رسالتي هذه ، وأنا متأكد بأنك ستفعل ذلك . لأنها لاقيمة لها ولاوزن بقبان الحياة . وإن لم يعد الزمان زمن الرسائل . سنكتب على رمل الضفاف ورمل الشواطئ وعلى الجدران . لابد للدهر ان ينصفنا لتقرئها الآجيال . كان هنا بشر حقيقيون . عاشوا وماتوا ولم يشعر بوجودهم أي أحد . ولم يفتقدهم بعد رحيلهم أي أحد .
كتبوا وكتبنا وسيكتون لآخر الزمان . إشعرو بوجودنا نحن لسنا خيال . صدقني أحلآمنا كبيرة وأرواحنا طيبة جداً . لكننا خلقنا لنعيش على الهامش . إبحثوا عنا
إنتشلونا من واقعنا البائس . نحن نستخق الحياة . لايمكن ان تستقيم الأمور وجزء كبير من المجتمع لاوجود له بمعادلته . إزرعوا الياسمين بأقاحي البائسين لتزهر وتنعش أنفاس الجميع . ليطيب هبوب النسيم . ويعود الربيع من بعيد معتذرً . وتعود الشمس تطرق نوافذ الأمل .
رسالة كتبها قلم محروم ومعذب بهذه الحياة .
هي رسالة
بلا عنوان
أترك الأمر لقارئها ليختار إين سينتهي بها المطاف ؟
بعد ان أكمل ساعي البريد قرأتها حمد الله وشكره على ماهو عليه
نهض من مكانه وخرج من مكتبه بعد ان أقفله بالمفتاح . وسار بطريق اللاعودة وبيده كانت تلك الرسالة .
هي
الرسالة الأخيرة
الكاتب
ج ال ش
العراق
8/5/2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق