الاثنين، 14 أغسطس 2023

ج(الثاني) من قصة {{في عتمة الحافلة}} بقلم الكاتب القاصّ الأردني القدير الأستاذ{{تيسيرالمغاصبه}}


(في عتمة الحافلة)
  سلسلة قصصية 
  "الموسم الرابع"
          ٢٠٢٣
-------------------------------------------------------

       روح
        -٢-

التفت إليه لتلتقي نظرتي المباشرة مع نظرته وإبتسامته التي لم تزعجني أبدا بقدر ما أشعرتني بالارتياح،
آه..لم تكن فتاة ..بل فتى صغير ،كان يرتدي ثياب الرياضة البيضاء الأشبه بثياب لاعب التنس الأرضي. 
لكنها كانت ضيقة جدا وخفيفة بحيث بدت ملتصقة بجسده، أو هي جزء من جسده.
كان مابين عمر الطفولة والمراهقة ..لعله في الثانية عشر ..أو في الثالثة عشر من عمره.
مد يده مصافحا ..مديت يدي ملبيا بلا أي امتعاض أو انزعاج ،لكن وبمجرد أن صافحته حتى إتضح الأمر، فقلت :

-ياإللهي الأن عرفت معنى إبتسامتك؟

- وماذا عرفت.

-أ..أنا..!! من أنت أيها الفتى ..ياإللهي ..أنك تشبهني في مرحلة مراهقتي..لقد تذكرت..بل أنت .. ؟

-بالطبع وأنت تشبهني في مرحلة شبابي. 

-وما أدراك بمرحلة شبابك؟

-ألم تعلم بعد.

-ماذا علي أن أعلم؟

-أنا ..أنت في مرحلة مراهقتك.

تمعنت النظر به جيدا وقلت أخيرا :

-ياإللهي..هذا صحيح أنت أنا؟

-وأنا أنت.

-وكيف حدث ذلك ..ولماذا جئت في تلك المرحة من العمر تحديدا؟

-لأنك تحب نفسك أكثر في تلك المرحلة ..مرحلة ذكرياتك الجميلة..أنا أسرارك ..أنا تاريخك ..أنا فرحك وحزنك، وكل شيء عنك؛وكل ماتحب.

- أخشى أن تكون قريني؟

- أن كل ماتخشاه  موجود بيننا الأن ،جميعهم مجتمعين،وأنا أراهم ،لكني أطمئنك.. أنا روحك.

في تلك اللحظة كنت أشعر بنفسي متنقلا ،فحين أكون مكانه..على مقعده ..وبداخله..وأراه هو مكاني ..وعلى مقعدي ؛فتشتت فكري وشعرت بالخوف لأول مرة ،هل هو شعور الموت ،فقلت محاولا معرفة الأمر بسرعة :

-حسنا ..والأن؟

-بما أنك تشعر بالملل من كل شيء ،رأيت أن أصطحبك برحلات كي أنقلك من عالمك الممل هذا ،إلى المستقبل البعيد ،بالطبع إن كنت ترغب بذلك.

-في تلك  الأوضاع  التي نعيشها؛أنا أقبل وبكل سرور ..لكن لماذا؟

-لأني أنا نرجسيتك المستترة..وأنا أرى بأنك تستحق كل شيء جميل .

-وإلى أين تنوي اصطحابي ياأجمل ذكرياتي ؟

-كما أخبرتك قبل قليل ،إلى....المسسسستقبل البعيد.

- ولماذا لايكون إلى الماضي ،حيث الذكريات ؟

-لأنك تعرف ماضيك وذكرياتك، فلماذا تعود إليها .

-هذا... صحيح؟

-لعلك تشك في قولي .

-أن مجرد حضورك لايترك مجالا للشك؟

-لكن ..؟

-لكن ماذا.

-أن حتى الشيء الجميل قد يكون فيه بعض الشوائب. 

-لم أفهم؟

-أي يمكن أن نذهب إلى المستقبل، ونشعر أيضا بالضيق من بعض الأمور 
ونتمنى العودة إلى الحاضر .

-أفهم ذلك ..فنحن لسنا في الجنة.

-إذا أنت تعلم كل شيء؟

-بكل تأكيد.

-والأن حتى تتضح الصورة أمامك قف وأنظر إلى المسافرين ..ذلك ليرتح قلبك فقط؟

نهضت ونظرت ..فلم أرى سوى المقاعد الخالية من المسافرين ..كانت خالية تماما ،قال :

-لن ترى أحدا من بشر عالمك هذا من الأن ،كذلك هم لن يرونك؟

-هذا شيء يسرني.

-ماهي سوى البداية ..والأن أنظر من نافذتك؟

و نظرت من النافذة لأرى الغيوم ..لقد كانت الحافلة محلقة في السماء كما وأنها طائرة ،فقلت بدهشة:

-حقا شيء مدهش يا أنا ،ومن أين لك كل تلك المقدرة ؟

-لست أنا وإنما هي الروح .

-الروح؟

-حتى أنا لاأعلم ..وإنما هي مقدرة الله.

-لكن أخبرني وأرحني ؛هل أنا ميت أم حي ؟

-لو كنت تتبع نصيحتي وتعمل بها ، لاتسأل كثيرا ..بل شاهد كثيرا. 

-نعم ..نعم..  حقا أن المستقبل يفعل الاعاجيب ،لم تعد الحافلات تسير على الطرقات ..بل تحلق في الأجواء، وماذا سأرى أكثر من ذلك؟

-لاتستعجل الأمور ياعزيزي.

-لماذا؟

-كما أخبرتك فليس كل مافي المستقبل جميل.

-بل أن كل مافيه جميل ومدهش؟

-لكن ليس كل مايطرأ على الجسد القادم سيكون جميل .خصوصا مايتعلق بالصحة.

-وما الحكمة في ذلك؟

-الحكمة ..أن روحك هذه في علم الخالق ،وعليك أن ترضى بالحاضر ..مهما كان المستقبل جميلا .

-لكني أفضل التغيير ؟

-بلا شك سترى التغيير البعيد جدا.

-لكن لماذا أدخلت الفرح إلى قلبي وبعد ذلك تقول بأن يوجد مايزعجني فيه؟

-ياعزيزي يا أنا ..طالما أننا أحياء فلا بد من وجود الجميل والقبيح ،هي رحلات ستنطلق بها للتعرف على مستقل أجساد ستعيش روحك فيها بعد أن تخرج من جسدك.. وإلى أي جسد ستنتقل روحك بعد موتك ياعزيزي، وهي مشاكل ومعاناة تلك الأجساد ..القادمة..في زمنها  ؛ هل وصلتك الفكرة  الأن؟

-لقد بدأت أشعر بالقلق ..لكن لاتتركني.

-كيف سأتركك وأنا وأنت شخص واحد،وروح واحدة، أنا سأكون بداخلك ؟

-أعشقك ياأنا.

-حسنا ..والأن ليبقى جسدك مسرخيا ومستندا على المقعد هنا بينما ترى روحك أين ستذهب بك ..هل أنت مستعد؟

-نعم .

-إلى هناك ؟

اهتزت الحافلة في السماء ،ومن ثم إنطلقت بسرعة قسوى ..سرعة  لاتلاحظ أبدا،فأختلج جسدي بعد أن  إخترقه ،ولم أعد أراه أبدا ،لكني كنت أشعر  به.

(يتبع....)
تيسيرالمغاصبه 

١٣-٨-٢٠٢٣ 

ليست هناك تعليقات: