التلوث ُ البيئيُ : ذلك المصطلح ُ العلمي ُّ الذي تناولته مناهجنا التعليمية ، على مدار سنوات طوال .. وكُتبت حوله المقالات ُ والأبحاث ُ الجزال ..ولطالما كان موضع نقاش ٍوجدالٍ ..فأُديرت لأجله المؤتمرات ُ والندوات .. وَوُضع بحقه نصوصٌ في قانونِ العقوباتِ، فَشُرعَ لأَجل الحد ِّمنه الكثيرُ من التشريعات ..
ونحن ُ اليومَ أمام َ نصِّ وَجَبَ تعديلُه .. وقانونٍ وَجَب تَشديدُه .. ومنطقٍ وَجبَ تقييده..
نحن ُ اليومَ أمامَ تغيراتٍ كثيرةٍ ،نتجَ عنها تلوثاتٌ خطيرةٌ.. فالثّورةُ العلميةُ ، والانفجاراتُ التكنولوجيةُ التي غزَتِ العالم َ في أَواخرِ العقدِ الماضي ومازالت ، جَلبت معها الكثيرَ من الأوبئةِ والأمراضِ..وحرَّرت الكثيرينَ من قيودِ العرف ِ المعتاد .. وأَدخلت العالمَ كلَّه ، في دوَّامة الانفتاح … وأصبحَ العالمُ كلُّه في يدِ طفلٍ يحملُ الجوَّال مفتاح .. يدخل ُالعالمَ من جميعِ أَبوابه ،بلا رقيبٍ ولا قيدِ وكل ُّشيءً عنده مُباح ..
باتت مواقع ُالتواصلِ الإِجتماعي الرائجةُ والممولةُ كلُّها تدعو للرزذيلةِ بلا استثناء ..ورسمتِ الحريةَ المزيَّفةَ ولونَتها بألوانِ الزَّهاء .. فَخُدعِ الجميع َتحت مظلةِ التكنولوجيا العمياء.. فَوقعَ في الفخ الأطفالُ والآباءُ .. وكلُّنا كُنّا فريسة ًلهذا الوباءِ..
أَتصفحُ في يومي الكثير َمن الموضوعات ،عندما أَقودُ شاشةَ جوالي التي أَدمنتُ عليها ،تلك الشاشة َ الجميلةَ الجاذبة َ الملونةَ التي تجذبك من خلال تفاعلاتها. لتصطادك وتحشرك مع مواضيع ليست من اهتمامك بل وتخالف قيمك ومبادئك.
وبحكم أننا أسرى هذه الشاشات نستمر بالتقليب والتقليب لعلنا نجد منشورا يثلج صدرنا أو موضوعا يلبي احتياجنا ..
انضممت الى الفيس بوك في 2009 وكانت وقتها منصة أقرأ عليها موضوعات ومعلومات هادفة وجميلة .. وأصنع صداقات لطيفة.. وأعرف أخبار من أحب .. وأنشر مخرجات طلابي وأرى مخرجات زملائي فنقف على الجميل فنمدحه ونثني عليه .. وبعد مرور أكثر من ثلاثة عشر سنة على منصة الفيس بوك وبعد أن رمت شباكها وتمكنت من اصطياد عقولنا أصبحت تدفق علينا التفاهات بالمجان .. وتعرفنا بشخصيات تلمعها لا تمَت للحياء بعنوان .. تعرضهم على أنهم أبطال هذا الزمان .. وانطلقت المنصة مستغلة نقطة ضعف البشر في الحصول على الأموال بطريقة سهلة المنال ..
فرصفت الطريق مرصعة إياه بالماس والمرجان .. وأغرت الأجيال التي تحب السيط والشهرة بالكثير من الأموال ..وسهلت عليهم طريق الوصول الى الشهرة فاستغلت عقول الأجيال .. وعرضت حياتها الشخصية على العوام دون أن تراعي الحلال والحرام …ولم تكتف بذلك بل صممت ألعابًا تتحكم بتصرفات الأطفال .. وتسيطر على العقول والأبدان .. وتخرجهم من منظومة حياتهم التي اعتدناها اسلامية محافظة على الدوام ،الى منظومة خسيسة سيطرت على العقول والأفهام..
بالأمس سارع إلي طفلي لأكتب له عنوان فيديو كان قد سمعه من صاحب له ويبدو أن خدمة الكتابة الصوتية في الجوال لم تتعرف على مراده ،فاستنجد بخدماتي لأكتبه له ولعلها كانت رسالة تنبيه لي لأتابعه أكثر في زمن شغلنا عن المضمون وحرف مسارنا عن الهدف المصون ..
كتبت العنوان وأشار لي بأنه هو المقصود جلست معه أحضر الفيديو الذي كان تسجيلا للعبة مرفقا بتعليق صوتي لأحد الذين لمعتهم مواقع التواصل الإجتماعي
اللعبة كانت شيقة ولكن التعليق المرفق عبارة عن تلوث لفظي وأخلاقي واجتماعي أسقطه على فيديو موجه للاطفال بكل ما دعمه من ألفظ ومسميات وأهداف وقيم رديئة ..وختم الفيديو بمقولة مشهورة (لا تنسوا تدعموا الفيديو بدنا نوصل 10 مليون مشترك ) … استرقت النظر الى عدد مشتركيه لأجدهم قرابة العشر مليون مشتركا .. ذهلت لكبر الرقم وصدمت بتفاهة المحتوى الذي لم أحد فيه سوى بذاءة القول وسوء الأسلوب
لربما كان بإمكان هذا الملمع أن يرفق تعليقا صوتيا هادفا ومؤثرا لنفس اللعبة الصامتة وينشر من خلاله كل القيم الأخلاقية العليا والنبل السامية ..لكنه يعلم علم اليقين أن الطريق إلى الشهرة والوصول وجب فيها الانصياع إلى الشروط التي أدرجها المخربون بالخفاء وسيسها قادة الغباء
نحن جيل نعيش الحضارة المرة التي تزينت لنا بثوب الأمة الحرة نسأل الله ان يذهب عنا الزلة وينير قلوبنا ويهدينا طريق البررة.
بقلم أ.رنا أبوهولا/ فلسطين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق