الاثنين، 11 ديسمبر 2023

قصة قصيرة تحت عنوان{{نهاية العتمة}} بقلم الكاتب القاصّ المغربي القدير الأستاذ{{رشيد الموذن}}


@ نهاية العتمة @

وهو يحبس ركبتيه بين ذراعيه، وفي عينيه بريق إشعاعات، يا لها من مشاهد مثيرة ، إذ تنتشر نظراته عبر الأرجاء المتماثلة أمام عينيه بدهشة، قد كان يسكن في الطابق الخامس ، والٱن يكاد يألف الوضع هنا من أسابيع خلت مستو بالأرض دون غذاء ولا صنبور ماء ومن دون معلبات غذائية، ثمة فقط خراب هائل في كل اتجاه، حتى أشجار الزيتون تمايلت من وفرة انتاجها وطوحت برأسها على الأرض من غير استسلام ، إنه موسم عصر الزيتون أتى بإعصار ..
وجه وجهه الى كومة غبار تعلو خد ابنه ماسحا يقول :
يا بني ..
لا يمكن أن تبرح المكان تحديدا ، فهناك كاميرات خفية تمكن الخنزير من ترصد  تحركات الأجسام ليتم إدراجها ضمن قبضة العدم يطويها النسيان كما سبق ، وبالخصوص تلك الزهور التي تملأ الجو بالعبير، وتصدح كالعصافير من حيث يشتبه في كونها متشبثة بالتراب مجرمة الفكر حسب اعتباره ..
فبالنسبة لهؤلاء الطيور عقوبتهم الوحيدة إذا اكتشفها الخنزير الأكبر، الإبادة الجماعية أو التهجير حسب معتقده ؛ بل أكثر من ذالك ، فبحسب معرفته الحيوانية لا يصنف صنفا ٱخر من نوع نفسه مهما كان ، وجود جنس من جنسه ومن غير معتقده يحرك فيه غريزة الفريسة فينوي به شرا عبر التاريخ ..
ثم أطبق برأسه كي لا يصطدم بالسقف المتردي وهو يتنهد ، ويعلم يقينا أن ابنه متمرس على دروس ضمنية في التخاطب منذ زمن بعيد .
دس الإبن إبهمه مثني تحت رموش عينه يزيح عنها ما شابها من رماد مجيبا بصوت خافت رخيم :
وكيف يمكن التخلص لمحو الوثائق المنبثقة في ثقوب الذاكرة يا أبي وهي أصلا مخصصة كقرص مدمج لذالك  ..
ثم أردف كأنه يواسي أو يعطي أباه جرعة زائدة للتحمل .
لا عليك ..
الحرب هي السلام 
والعبودية هي الحرية ..
ولا معنى للحياة من دون موت ، فهذا المنجل في كل الأحوال حصد ويحصد الحياة على وجه الأرض كل يوم من دون اعتبار لقاهر ولا لمقهور، لظالم ولا مظلوم ؛ كل ما يقوم به فقط هو تحديد قدر الروح ومن غير  تحيز وهذا طبعا أجمل ما فيه ..
أبتاه : إن الموت أفضل مأوى هروبا من المعانات والقسوة، وصدق من قال :  قد يضع حدا للمشقة واليأس  ...
فجأة توهج المكان وسمع دوي إنفجارات بالجملة  تهز الأركان . 
ما سبب هذه  الوحشية ؟
 سأل الابن وكفه على أذنيه من هول الموقف وكأنه يريد عدم سماعها  ..
ثم همهم الأب  :
 إن الخنزير الكبير أصبح يدمن التقتيل والتدمير ليهرب من ذاكرته التي صار يؤمن أن ما علق بها كان محض أوهام ، وكيف يمكنك أن تتخيل قاتلا بوسعه أن يكون شديد التهذيب حبيبي !؟
دعنا نهدأ فحسب ..
لنكن فخورين بأنفسنا مادام هناك مثلما في الغابة خنازير كذالك ثمة أسود . لكن الخنازير معلوم عنها لا تعرف من بيده أسلحة ومستعد لحماية أرضه، ليؤكد للعالم ما يمكن أن يدفع مقابل عشيرته .
سعل بخفة وتابع :
لا أحد يملك الاختيار أين يولد ، ولكن يجب عليه أن يحاول التمسك بأرضه إلى أن ينتهي فيها فتنتهي العتمة ..
وهذا ما يمكن أن يقوله المرء في مثل هذا الظرف وخسأ المنطعون ..

رشيد الموذن @@

المغرب @@ 

ليست هناك تعليقات: