الاثنين، 22 يناير 2024

ج(الثالث) من قصة {{لن تشرق الشمس أبدا}} بقلم الكاتب القاصّ الأردني القدير الأستاذ{{تيسيرالمغاصبه}}


(لن تشرق الشمس أبدا )
       قصة متسلسلة 
  بقلم: تيسيرالمغاصبه 
            ٢٠٢٤
------------------------------------------------------
            -٣-
    عائلة الحجارين

كما هي العادة في الأعراس،الرجال يأخذون العريس إلى باحة أوسع منزل للاستحمام، بينما تأخذ النساء العروس إلى باحة واسعة  لمنزل أخر .
تلتف النسوة حول العروس وسط جمهرة من أهل القرية، منهم الأقارب ومنهم الغرباء المندسين بينهم،ينزعن عنها ثيابها وسط الزغاريت والغناء وهي تجاهد محاولة ستر  عورتها بكفيها خجلة،فيكون الصبية يتدافعون للنظر إليها من الفرجات ومن الفتحات الممكنه لرؤية مايمكن رؤيته.
ما أن تنتهي طقوس حمام العروس حتى يذهب الصبية للتجمع قرب الغدير، وهناك يتحدثون عما إستطاعوا رؤيته من مفاتن العروس.
* * * * * * * *
أما يحيى الذي لم ينظر مثل بقية الصبية ، يعود للسير وحده قرب  القناة مستمتعا بالطبيعة وأصوات العصافير ،
تمر به فتاة تحمل جرتها ..ما أن تراه حتى يخفق فؤادها بشدة ،فتقول له بلهفة لايمكن إخفاؤها:
-يحيى..شلونك حبيبي؟
-أنا كويس شلونك إنتي ياسماح.
تضع سماح جرتها على الأرض وتجثو أمامه على ركبتيها وهي لاتزال متلهفة كما وأنها في محراب للعبادة ،فتكاد أن تغرق في زرقة عينيه.
تحيط كتفيه بواسطة ذراعيها ،فيبدأ بالتحدث إليها عما رأى في نزهته ،لكنها لا تسمع مايقول لها لأنها في تلك اللحظة تكون هائمة بحركة شفتيه المبتلة بلعابه الأشبه برحيق الأزهار.
فكادت أن تطبق عليها بشفتيها العطشى لولا خوفها من أن تخسره فيما لو ذهب ولم يكلمها ثانية ،فتتراجع  كابحة  جماحها،
يفهم يحيى معنى نظراتها فيقول حاسما الموقف:
-ماشي ياسماح هسى بدي اروح بخاطرك ؟
تقول هامسة:
-طيب ..حبيبتي.. يحيى..مع السلامه يايحيى؟
ترفع سماح جرتها وتتابع مشيها وهي تصب جام غضبها على فريال ،فتقول محدثة نفسها بصوت مسموع:
-والله إنكي مش قليله يافريال..والله إنو ولا وحده بالقرية كلها بتقدر عليكي ،ولا حتى هلاله، بتتسحلوي مثل الحيه وإلي بشوفكي بقول عنكي مسكينه البسه بتوكل عشاكي؟
تمر بها فتاة أخرى وتكون قد رأتها مع يحيى وسمعت أحاديثهما معا ،بل وسمعت سماح  أيضا بينما كانت تحدث  نفسها فتقول لها ضاحكة:
-والله كلنا بالهوى سوى ياسماح؟
-هلا مريم شلونكي.
-مثل لونكي والله.
ويتابعن طريقهن معا.
* * * * * * * *
ماأن وعي يحيى على نفسه حتى علم أن له أختا كبرى أسمها "ساره" وهي  متزوجة من "عليان " أكبر أبناء  "هلاله"،وهم  عشرة ذكور ولهم أختا واحدة فقط أسمها "غروب" وهي غير جميلة وتحمل كل أخلاق أمها وصفاتها السيئة.
النساء في القرية يطلقن على هلاله عند ذكر أسمها ب"هلاله الكحبه "لكنهن لايستطعن مواجهتها بهذا اللقب بالرغم من أنها تعلم به،لكنها لاتعلم من هي أول من أطلقت ذلك اللقب عليها، وذلك بسبب هيمنتها هي وأولادها على أهل القرية  من الأقارب ، كذلك تحاشيا للسانها السليط الذي يضرب كضرب السياط.
أيضا كان لأبنها الأكبر زوج أخت يحيى علاقات بالمسؤولين خارج القرية، وذلك ما زاد من جبروت هلاله.
وكانت هلاله عندما تجلس مع النسوة تحكم السيطرة على الجلسة والأحاديث وتفرض نفسها عليهن؛قيل بأن النسوان قد تعلمن منها الفسق .وأنها هي أول من كانت  وراء نشر الفساد وتفريق أنساب العشائر في القرية الضائعة .
كانت سمينة وجهها كلثومي..نظراتها وقحة تتكلم بوقاحة  حتى مع الرجال وتتطاول عليهم، وإلى جانب صدرها تخفي موسها الحاد الذي تهدد به الجميع.
بل وأصبحت كعزرائيل القرية ،فعندما تظهر في نوم أحد ،تكون تلك رؤية ونذير شؤم ؛ كموت أحد أبناء القرية.
أي عندما تقول إمرأة " والله أمس شفت هلاله بالحلم" 
تدخل الرعب في صدورهن ويقلن:
-يالطييييييف.... ليش يامره حكيتي الحلم..ليش..ياساتر يارب ؟
وكان بالفعل في اليوم التالي يموت أحد رجال القرية أو نسائها.
كان أولادها أيضا من عدة ألوان ،فواحد منهم أسود شديد الضخامة، قبيح الصورة،بلطجي، وأخر أبيض، طويل القامة ،وأخر أشقر لكنه غير جميل أيضا، تجلس هلاله  في مجالس النسوان وتعاليلهن وتجهر بكل شيء بلا حياء ،وتكشف أسرار غيرها من النساء،ثم تبوح بلا حياء  بجميع مغامراتها هي  حتى بعلاقتها القديمة مع أبو يحيى،بل وتذكر أسماء أولادها التي أنجبتهم منه فتقول عبارتها المتكررة:
-المره يانسوان هي الأساس  ،الزلمه بس تيس إله قرون  بتخليه يركبها بس عشان يسكر ثمه..المره هي إلي بتعرف كل واحد من أولادها مين أبوه،أنا إلي بهمني إنو أولادي يكونوا مسجلين بدفتر العيله بس ..أي كحبه منكن بتقدر تمسك علي أي  ممسك تحكي وأنا بوريها شغلها؟
قالت إمرأة :
-هههههههه لاوالله مابنقدر عليكي ياهلاله. 
إستطاع بعض أولادها ومنهم "سويلم" إتقان مهنة البناء من خلال الحجارة والطين وسميو بعائلة الحجارين..كان سويلم يحاول التحدث بلهجة أهل المدينة بغير إجادة فيبدو مضحكا،
أما عليان الإبن  الأكبر لهلالة وزوج سارة ،
فهو مسيطر على عائلة نسيبه أبو يحيى سيطرة تامة مستغلا جهل أبو يحيى وضعف شخصية أولاده الكبار، وكان أبو يحيى لايستطيع الإقدام على أي خطوة دون الرجوع إليه وإستشارته  وعندما يخبره أبو يحيى بأي شيء سيفعله يرد عليان بكبرياء وتعال:
-يازلمه إنت أهبل وللا بتتهبل ..لا موهيك الواحد بشتغل..وبعدين مع مخك يازلمه؟
عندها يستمع إليه أبو يحيى بأهتمام وهو مبهور به ،لكن أبو يحيى في منزله يتحول إلى شخصا أخر ،فيصبح دكتاتورا ؛معتقدا بأنه ملك أمام رعيته.
فقد كان  أبو يحيى كلما عثر على شيء في الجبال أو الأزقة ومهما كان ثمنه يقول :
-هذا لنعطه لعليان؟
 لأنه يعتقد بل متأكدا بأن عليان أكثر  فهما ورجاحة عقل منه،وهو الأحق منه بكل شيء عجيب.
* * * * * * * *
كان يحيى يحب الذهاب إلى بيت أخته لامضاء عدة أيام إسوة بأخوته الأخرين بالرغم من أنها هي أيضا لاتحبه تضامنا مع بقية أفراد أسرتها.
كان يحيى هناك يلهو مع أولاد هلاله وابنتها الوحيدة غروب التي تكبره بعشرة سنوات ،كذلك يبهره ذلك الصندوق الكبير الموضوع في ركن هام ومميز في المنزل كالعرش.
وذلك الصندوق هو الراديو الذي يسمع دائما من خلاله أغاني فريد الأطرش وسميرة توفيق. 
بالرغم من  أنه يخاف من الصالة التي ينام فيها حيث أن نافذتها مطله على مقبرة القرية.
 ماأن تراه غروب حتى يسيل لعابها ،فغروب التي إكتسبت دهاء وخبث وقذارة وشبق أمها، مع المساء تبدأ في قص حكايا الغولة والأموات والاشباح لتدخل الرعب إلى صدره فيبدأ بالالتفات هنا وهناك والاقتراب منها، عند ذلك تشعر بنشوة الانتصار وأن الحمل قد وصل إلى وكر الغولة. 
تهمس إليه متحاشية أن تسمعها أخته  ساره :
-إيش رأيك اليوم تيجي تنام عندي عشان أحكيلك حكايات عن الأمراء والأميرات ؟
يفرح يحيى كثيرا ويشعر  بأنه لن ينم وحده تلك الليلة في الصالة الموحشة ..كذلك سيسمع الحكايا التي يحبها.
في المساء وبغمزة من عينها يلحق بها ليندس في فراشها ..تحيطه بذراعها فتبدأ أولا بتذكيره بحكايا الأموات السائرون،ومنزل أخته المسكون بالأرواح ، فيقشعر بدنه ويقترب منها أكثر..تضمه بذراعيها، وما أن يستقر بأحضانها حتى تبدأ بقص حكايا الأميرات والجواري وبخبث تصل إلى حكايا الأسرة ومايحدث بعد لقاء الأميرةبزوجها الأمير.
ماأن يهدأ ويعيش في ذلك العالم الفاتن والمشتت للمشاعر،حتى تمتد يدها إلى سرواله القديم المهترىء مخترقته لتعبث بينما تمطره بقبلاتها الشغوفة وأنفاسها الملتهبة ،ينكمش على نفسه في البداية و يستسلم أخيرا.
تختلط مشاعره مابين لمساتها وتخيلاته لذلك العالم المبهر ،لكنه في الوقت نفسه يكون في وضع لايسمح له بالرفض أو المقاومة مع إحساسه بالذنب، يغمض عينيه محاولا النوم قبل أن تنتهي وتنم  فتبقيه هو يقظا.

(يتبع....)
تيسيرالمغاصبه 

٢١-١-٢٠٢٤ 

ليست هناك تعليقات: