الأربعاء، 28 فبراير 2024

ج(العاشر) من قصة {{لن تشرق الشمس أبدا}} بقلم الكاتب القاصّ الأردني القدير الأستاذ{{تيسيرالمغاصبه}}


(لن تشرق الشمس أبدا )
      قصة متسلسلة 
  بقلم : تيسيرالمغاصبه 
               ٢٠٢٤
--------------------------------------------------------
         -١٠-
     الملاريا

ذعر يحيى من قباحة خليف وضخامته ،رجع إلى الوراء ..أمسك حجرا ..أراد تهديده به لعله يتمكن من الهرب ،
لكن خليف أمسك بكلتا يديه بقوة ،ثم رعشه حتى أسقط الحجر من يده.
في تلك اللحظة ووسط همهمات خليف الأشبه بهمهمات الوحش المفترس ،سمعا صوت الشيخ عبد الكريم :
-نعم ياخليف ،وماذا بعد؟
إستدار خليف غير مهتما ،بل قال  ساخرا منه :
-إيش بدك ياأبو لحيه؟
-ماذا أريد..سترى ماأريد.
خاف يحيى على أخيه الروحي الشيخ عبد الكريم من شراسة وضخامة خليف، لدرجة أنه لم يعد متحمسا إلى رؤيته وهو يقاتل كما تمنى سابقا.
ضحك خليف بصوت مرتفع بينما رفع الشيخ عبد الكريم دشداشته وقام بربطها حول خاصرته إستعدادا للقتال .
هجم خليف عليه ليبدأ قتال رهيب بينهما ،أما الشيخ عبد الكريم فقاتل ببراعة لم يتوقعها يحيى منه،فقد أجاد فنونا غريبة مستعملا يديه وساقيه لم يرى لها مثيلا في السابق.
فكانت ضربات خليف العنيفة غالبا ما تذهب في فراغ ،وتروح في الفضاء أو ترتطم يديه في الصخور فيتألم ويتابع قتاله المستميت.
أخيرا وبعد أن أنهكه الشيخ عبد الكريم ،قفز عليه موجها له ركلة ليدفعه بعيدا  ويتدحرج ليسقط في الطين المتحرك.
فبدأ الطين في جذبه إلى أسفل، وبدأ خليف  بالتوسل طالبا العفو والرحمة:
-أنا دخيلك ياشيخ ..العفو عند المقدرة من شيم الكرام ياسيدنا الشيخ؟
-أراك أصبحت تجيد التحدث أيها الفاسق.
-دخيلك إعفي عني وأنا بتوب على إيدك؟
في تلك اللحظة وصل  مدى الطين إلى خاصرته وهو لايزال يتوسل مذعورا :
-هذا دم ياسيدنا الشيخ.. دم..الله بغفر لذنوب ليش إنت ما بدك تغفر وإنت الأعلم بشرع الله؟
-أخبرني الأن ..أنت من فعل الفاحشة بالأطفال الثلاثة وقتلهم أليس كذلك أيها الزنديق.
-أيوه ..أيوه  أنا..بس  ..بس ماكنت واعي..كنت متعاطي؟
-والأن أردت إرتكاب جريمة أخرى وأنت بكامل وعيك أليس كذلك أيها الخنزير..عموما أنت حيوان خطر، والحيوان الخطر إما أن يقتل وإما أن يوضع في قفص.
كان  مدى الطين قد جاوز صدره ووصل إلى رقبته ،فقال الشيخ عبد الكريم بحزم وهو يحمل الحجارة بيديه :
-أنت مجرم ،مرتكب الفاحشة، ويجب أن يقام عليك الحد ؟
-لا..لا..دخيلك.
وقال وهو يستعد لرجمه:
-الله أكبر؟
وأخذ يرجمه بالحجارة ،بينما يحيى ينظر وهو مرتجفا ولاتقوى ساقيه على حمله فأتكأ على الجدار،بينما كان الشيخ عبد الكريم يرجم خليف، أصابه الحجر الأول مباشرة في مقدمة رأسه فرشحت الدماء منه كالنافوة .
ثم أصابه الحجر الثاني الذي فقأ عينه اليمنى.
إستمر الشيخ عبدالكريم في رجم خليف حتى خرجت روحه إلى السماء وتوقف عن الصراخ ،وتلون الطين باللون الأحمر القاني ،و أخيرا إلتهم الطين رأس خليف.
جرى يحيى إلى أخيه الروحي الشيخ عبد الكريم وهو يرتعش وإحتضنه وأجهش بالبكاء.
* * * * * * * *
في اليوم التالي تزف رشيدة للأب خبرا جديدا متعلقا بيحيى،وكان فحواه "وحسب خيالها الشرير " أنها رأته يتحدث إلى خليف .
وكالعادة أمر إخوته بشد وثاقه وتعليقه على الشجرة،واعداد العصا.
يسمع الشيخ عبدالكريم بذلك فيذهب في الصباح الباكر من اليوم التالي إلى الحقل الذي يعمل فيه حميدان لانتظاره هناك.
ما أن وصل حميدان  حتى رأى الشيخ عبد الكريم أمامه وبيده خيزرانه،شعر حميدان بالخوف الشديد منه ،لكن الشيخ عبد الكريم قال له ساخراخرا :
-لاتخف ياصاحب القلب المرهف ..صحيح  أن الخيزرانة مؤلمة لكنها لاتميت، والدليل ضربك ليحيى بها دائما أيها الخنزير؟
رد حميدان وهو يرتعش ويتلفت حوله لعله يعثر على النجدة:
-إنت ..إنت..شو دخلك .. هذا ابني وبدي أربيه؟
-فهمت ..ابنك ..وهل الأب يضرب ابنه بتلك القسوة أيها القذر.
-.......................
-ألم أحذرك؟
ثم ضربه أول ضربة بالخيزرانه وصرخ من شدة الألم ،ثم ركله بساقه فتدحرج ليسقط في القناة المليئة بالطين،فغرزت قدماه فيها وفلم يستطع الحراك ، ومن ثم ألهب ظهره ضربا بالخيزرانه بينما حميدان يولول كالنساء.
* * * * * * * *
يصدر قرار من قبل الدولة بتسجيل المواليد الجدد في دائرة النفوس في المدينة، وأما بشأن الأطفال الآخرين ،فعلى ذويهم اصطحابهم  إلى المدينة أيضا لتسجيل تواريخ ميلادهم المقدرة  بحسب أحجامهم، وإصدار شهادات ولادة لهم.
شعر حميدان بالضيق والامتعاض وهو يسجل يحيى تحديدا باسمه ويدخله في دفتر العائلة بعد أن نسب إليه.
أما يحيى فكان مصابا بالحمى بعد هول ما رآه بعينيه في المغارة ،وقد إزداد وضعه سوءا من إشتدا الحمى عليه بعد ذهابه إلى المدينة وعودته منها.
وكان الشيخ عبد الكريم مواضبا على زيارته للاطمئنان عليه وتحصينه بالمعوذات وآية الكرسي كالعادة.
أما مريم فقد أصيبت أيضا بالحمى تزامنا مع إصابة يحيى بها،
فكانت تطلب من أمها الذهاب لرؤية يحيى، لكن هيهات ؛هي لاتستطيع زيارته ولا هو أيضا يستطيع بسبب تأثير الحمى. 
* * * * * * * *
كعادة الأب في سهرات العائلة يجلس حول النار المعدة في تنكة صفيح ،ويلتف الاولاد حوله، فيشعر بجنون العظمة وكذبها أمام بؤس العائلة وضعفها ،وسيطرته عليها،وإرهابه لها،وفي السهرة يقلب الأكاذيب حقائق، ويتحدث عن بطولاته الوهمية،ومغامراته أيام شبابه ،فيجعل من نفسه كما وأنه من أبطال الأساطير ،وينصت أفراد الأسرة إليه وإلى حكاياته بمتعة وحماس ،ويصدقون مايقل، ولايسمع سوى صوته وصوت سعلاته وبصاقه إلى الوراء في كل حين.
وفي الواقع  كل ذلك كان هروب من واقعه المؤلم.
* * * * * * * *
ماأن تعافا يحيى من الحمى ،وبالتالي تعافت مريم ،حتى نهض من فراشه وتوجه إليها، ماأن وصل إلى بابها حتى فتح بابها وخرجت مريم ،إقتربا من بعضهما ..أمسكا بأيدي بعضهما ..وأخذا ينظران في أعين بعضهما البعض دون أن يتكلما ،بينما رحاب تنظر إليهما ودموعها تبلل وجنتيها وهي تردد:
-ماشاء الله..ربي يحفظكو؟
* * * * * * * * 
تصيب القرية جائحة أخرى..
أنها الملاريا...
وكانت كما وأنها جائت ردا على قرار الحكومة بتسجيل المواليد والأطفال الأخرين بدائرة النفوس.
وكما وأنهم يرفضون العيش.
فتزداد الوفيات التي كانت أغلبها من الأطفال ،وإزدحمت مقبرة قرية أم الملح بالقبور الصغيرة.
يقع يحيى طريح الفراش من جديد ،ضحية لحمى الملاريا، فتفتك الملاريا بالكثير من أهل القرية كبارا وصغارا،
تموت أمه الروحية سميحة متأثرة بالحمى  ،يسمع يحيى بخبر وفاتها دون أن يستطيع توديعها، فتزداد وطأة المرض..وتزداد حالته سوءا. 
أما مريم فلم تتأثر هذه المرة أبدا،  ربما لأنها لاتخرج من البيت ،أو لعل لله حكمة في ذلك هذه المرة. 
الجميع تنبأ بموت يحيى الذي تأثر كثيرا بحمى الملاريا. 
في تلك الليلة وبينما يحيى كان مابين اليقظة والنوم ،يلتقي بمريم، كانت ترتدي الثوب الأبيض الناصع البياض ،
تمسك بيديه كما فعلا قبل أيام،وتقول له:
-رايح إتعيش يايحيى..أنا أعطيتك روحي ..أنا أعطيتك روحي يايحيى؟
* * * * * * * * 
أما الشيخ عبد الكريم فقد هيأ نفسه للحزن الذي عاشه من قبل عند وفاة زوجته وابنه،وذرف الدموع في وحدته بلا توقف وهو ينتظر الخبر المفجع في أي لحظة ،لكن في الوقت نفسه كان قلبه يقول غير ذلك.
فيحيى الملاك لن يموت أبدا ..لقد  خلق رحمة لنا جميعا.
لكن بعد ذلك تتحقق مخاوفه وتعلن أسرة حميدان وفاة يحيى، وتعد العدة وتجهيزات الجنازة،أما مريم فقالت لأمها بثقة،ودون أن تذرف دمعة واحدة:
- لا..يحيى لساته عايش..يحيى مامات لإني أنا أعطيته روحي.. يمه روحي قولي للشيخ عبد الكريم إنو مايخليهم يدفنوه؟
بينما أعدت مراسم الجنازة ،توجهت رحاب إلى الشيخ عبد الكريم وأخبرته بقصة يحيى ومريم ،وردد بعد أن سمعها بتفاصيلها:
-الله أكبر..الله أكبر؟
* * * * * * * * 
 وضع جثمان يحيى  فوق لوح ، نزعوا عنه ثيابه، وقاموا بغسله ،ومن ثمه تكفينه، وحمل على الأعناق وساروا به وسط عويل النساء والفتيات وحتى الصغيرات. 
وصل الشيخ عبدالكريم ومعه مريم وأمها رحاب ،قالت مريم صارخة:
-يحيى مش ميت ..يحيى لساته عايش..أنا أعطيته روحي..نزلوه ..نزلوه؟
ثم طلب منهم الشيخ عبد الكريم إنزاله.
وبعد أن أنزلوه 
كشف عن وجهه ..ثم عن صدره ،وضع أذنه على صدره، فكان بالفعل قلبه ينبض ،ثم حمله وأخذ يرعشه بيديه وهو يكلمه :
-أفق يايحيى، لقد وهبت عمرا جديدا..أفق يايحيى..أنت حي؟
فتح يحيى عينيه كما وأنه كان نائما ومن ثم أستيقظ ،ودبت في  جسده الحياة من جديد وقد إنقلب صراخ ونواح  النساء والفتيات المتيمات بحبه،إلى زغاريد فرح، بينما الشيخ عبد الكريم يردد:
-لاإله إلا الله..لا إله إلا الله؟
لكن لحظات ويرتفع صراخ رحاب:
-ابنتي مريم..ابنتي مريم.

(يتبع....)
تيسيرالمغاصبه 

٢٤-٢-٢٠٢٤ 

ليست هناك تعليقات: