الثلاثاء، 13 فبراير 2024

قصة قصيرة تحت عنوان{{المنجل}} بقلم الكاتب القاصّ العراقي القدير الأستاذ{{جاسم آل مهيه}}


 قصة قصيرة


                   المنجل

مسنة تعيش لوحدها . ببيت كانت قد إستأجرته . كانت ملكة بكل ماتعنيه الكلمة من معنى . لاينقصها شيء الا التاج . لكنها تمادت كثيراً بغيها . طغت وتجبرت ، ظلمت وأسرفت بكل شيء . ودار دولاب الدهر ليرفع من كان تحت لينزل من تربع على عرشه واهن . هي عدالة السماء . لتجد المسنة نفسها وحيدة و منبوذة . زرعت الحقد فحصدت الكراهية . بذرت الاموال
واليوم تعيش على الصدقات . حاولت زرع التفرقة مابين الأهل والأحبة ، فتوحد الجميع . كان لديها قصر كبير و أولاد و بنات . و زوج لم يبخل عليها بأي شيء . نكرت فضله و شهرت فيه
فكان عقاب السماء عقاب عادل .
هي وحيدة الان وفقيرة . كل يوم تقف على بعد مسافة تتيح النظر لها لمملكتها . بعين الحسرة و الندم . حاولت طرق كل الأبواب ، لكنها لم تفتح بوجهها . سارت بخطاً متثاقلة و مترنحة لتجد لها ملاذ أمن . بات الموت حلم الاحلام . لم يبقى باب لم تطرقه الا باب واحد ؟
باب إبن الزوجة الأولى لزوجها . عز عليها ان تدق بابه . لأن كبريائها هو الثمن . عادت لبيتها مكسورة الوجدان . كان اذا جن الليل عليها جنت معه مخاوفها من شيء مجهول كان يرعبها . بقيت على هذا الحال لعدة أشهر . بدأ صبرها ينفذ و تعاظم خوفها فقررت ان تجرب حظها مع ذاك الباب . عقدت العزم وسارت بإتجاهه . وقفت أمامه خائفة من ان يخذلها . حاولت لكنها بالحظة الآخيرة تراجعت . نظرت للسقف العتيق مرعوبة . كان شريط الذكريات يعرض على شاشة السقف المظلمة وكأنه صالة عرض سينمائي . عرض أمامها كيف كانت تؤذيه هو وأمه . و كيف منعت زوجها الطيب من رعايتهم و هضمت حقوقهم . و تذكرت دعاء الزوجة الاولى عليها بحرقة . و دمعة إبنها المظلوم الذي لم يكن يعيش مثل أخوانه وأخواته . تذكرت كل شيء ، كيف حرمته من العيش بكرامة . وكيف طردته هو وامه المسيكنة و زوجته بليلة مظلمة . شعرت بأنها الآن تعيش لحظات العدالة السماوية . بكت خوفاً من العقوبة الإهية و من المجهول الذي ينتظرها . لكن حالتها المادية بدأت تسوء كثيراً . لم تعد تحتمل العيش الذليل أكثر من ذلك فقررت ان تجرب حظها بالطرق على الباب الآخير بعد ان أغلقت كل الأبواب بوجهها ، فطرقته بيد مرتعشة . فتح الباب من كان ضحية جبروتها . لم يتفوه بكلمة واحدة . قبل رأسها وأمسك بيدها ليدخلها بيته معززة مكرمة . عاملها بلطف كبير . عزها وأكرمها 
و كأنها والدته . هذا الأمر جعل حزنها يتضاعف . قتلها الندم ، كرهت نفسها . لم تتمكن من النظر بعيون زوجته و أولاده الذين مازالو يتذكرون جيداً كل شيء .
ذات يوم أراد الخروج من الدار لأنها كانت تشعر بالإختناق . و قبل ان تخرج سألها الولد البار الى أين ياأمي . تلك الكلمة نحرتها ( ياأمي ) ، إزداد إختناقها ، و لم تتمكن من إجابته ، فخرجت مسرعة . لتجد نفسها بمحطة القطار المهجورة و الخاوية . سارت على الرصيف بموازات قطار منسي والصدأ قد غير لونه الى لون الى اللون الأحمر . وعند نهاية الرصيف كان ينتصب مقعد خشبي متخم بالذكريات . و بالقرب منه أرض تملئها القذورات وأعواد القصب و المياه النتنة . جلست على المقعد ، و كأنه جلوسها الآخير . نظرت لكل مايحيط بها ، كانت تبحث عن شيء يخصها . هي لم تخطط أبداً للقدوم للمحطة المهجورة بل ساقتها الأقدار . نظرت يميناً و يسار فوقع نظرها على منجل مكسور مغروس بالمياه الأسنة . خيل لها بأن المنجل يقول لها ( أنا ملكك ) . ( أنا منجلك و هذا حقلك ) . إرتعبت و أشاحت بنظرها عنه لكنها رأت ما أفزعها ؟
زوجها الطيب يقف أمامها و زوجته الأولى التي تحمل بيدها منجل جديد . وإبنهما طيب القلب و أولادها الست و بناتها الخمس و كل أحفادها . لم يتفوه اي أحد منهم بكلمة واحدة . الكل صامت و لايتحرك الا إبن الزوجة الأولى كان فاتح ذراعيه لها . أطالت النظر للجميع من دون كلام . هنا تكلمت من عانت من ظلمها و قالت لها ؟
زرعت يداك الحقد والضغينة والبغضاء بين الجميع فحصدت بمنجلك المكسور هذا الخيبة و الذل . و غنمت الحقد و الكراهية
و اليوم انت تعيشين حياة الإنكسار . أنت مثل هذا المحطة المهجورة و قطارك صدأ كهذا القطار و سكتك لن توصلك لمحطة العزة والكرامة . ما تزرعه إيدينا ستحصده مناجلنا . إن زرعنا الخير سنحصده . و إن زرعنا الشر سنحصده . أنت كنت أعز مالاً و نفرا . لكنك لم تحسني الزرع فحصدتي ما زرعتي . و أنا كنت الغريبة و الوحيدة . لكني زرعت مع الجميع الخير والطيبة فحصدت من من حملتهم ببطنك كل الخير . الأم ليس من ولدت . و لكن الأم هي التي ربت . فهنيء لكل ما حصدت يداك . و بعد هذه الكلمات تبخر الجميع على حين غرة . و مع إختفائهم لفضت المسنة آخر نفس لتبقى بمحطتها الآخيرة وحيدة الى ما شاء الله .

                      تمت

                                  الكاتب
                               ج آل مهيه
                                  العراق
                            12/2/2024

ليست هناك تعليقات: