(لن تشرق الشمس أبدا )
قصة متسلسلة
بقلم :تيسيرالمغاصبه
٢٠٢٤
الفصل الثالث
------------------------------------------------------
-٢٥-
الطريق الوعر
ما أن وصل يحيى إلى أول منحدر الوادي حتى سمع صوت فرح الجميل عندما أطلت عليه من فوق الصخور وهي تحمل قوسها وحافظة سهامها على ظهرها ،وخنجرها على خاصرتها ،وقالت له بسعادة غامرة:
-وين هالغيبه يايحيى ههههههه واللا مثل مابقولو ؛من لقي حبابه نسي صحابه ؟
-والله عارف إني طولت يافرح بس الوضع كان صعب شوي..اشتقت إلكي كثير يافرح.
ثم قفزت من صخرة إلى أخرى حتى وصلت إليه مصافحة ،حضرت نوال وهي تحمل بارودتها على ظهرها ،وقالت:
-ياهلا بيحيى؟
-والله بشوف إنو صار تطور كثير ،من وين إلكي البروده ؟
-وفي غيرها عندي وكمان ذخيره أخذتهن من مجرمين فارين ههههههه بعد ماخليتهم يروحو مجانين بحكو مع حالهم؟
-والله إنكن رهيبات ياقرابات.
قالت نوال:
-والله أجيت والله جابك يايحيى استعد حتى اعلمك كيف إطخ بالبروده؟
وقالت فرح بسرور وحماسة:
-وأنا رايحه أعلمك إستعمال القوس ولسهام؟
قال يحيى بحماسة أكثر :
-والله كله بنفع للزمن.
* * * * * * * * * *
خرجت هلاله تجري بتثاقل بسبب وزنها المرتفع جدا ،
حتى وصلت إلى مصدر صوت صراخ نور وهي تعلم مسبقا ماذا حدث ،وعندما وصلت إليه كان نور في داخل جورة الصرف الصحي بعد أن إنهار به غطائها.
تلفتت حولها باحثة عن شيء يساعدها بانقاذ حفيدها الحبيب،عثرت على طورية "مجرفة للحديقة"،أمسكت بها ووسط هلعها لم يسعفها عقلها بالتفكير السليم، فقد مدت إليه بالعصا بينما أمسكت هي بقطعة الحديد ،حاول الإمساك والتشبث بالعصا..لكن كانتا يديه المبتلتين تنزلقان عن العصا.
وبينما كانت هلاله تحاول جاهدة مساعدته ،إنزلقت قدمها ووقعت بداخل فتحة الجورة ،وبسبب وزنها المرتفع علقت في وسط فتحة الجورة ليصبح نصفها الأول ويديها في الداخل ونصفها الثاني وساقيها في الخارج سادة بجسدها الضخم فتحة الجورة تماما.
ولم تستطع فعل أي شيء ،ولم تتمكن حتى من الصراخ والاستغاثة.
فيموت نور غرقا أمامها دون أن تستطيع إنقاذه، فتختنق هي ومع إرتفاع ضغط الدم لديها وهبوط في السكر توفيت بعده مباشرة.
بقيت عدة ساعات حتى حضرت آمال وبيدها طبق طعام للصغير الذي كانت تحبه كثيرا ،وما أن رأت المشهد ولم تكن تعلم أن نور أيضا قد مات غرقا، فقالت ساخرة ومتشفية معا:
-والله هاي موته بتليق بيكي ياهلاله؟
لكن عندما لم تر نور إنفجرت صارخة وطالبة النجدة.
حضر الجيران من كل مكان ..حاولوا جذب هلاله من الجورة ..لكنهم لم يستطيعوا..وعندما حاولوا توسعة فتحة الجورة من الجوانب بواسطة الفأس ،إنهار من حولها بعض الجدار المتهالك وسقطت هلاله في الجورة.
* * * * * * * * * *
بعد عدة أيام أمضاها يحيى في الجبال وبين الصخور، تعلم خلالها الرماية بالبارودة والنشاب وغيرها من المهارات،فقرر العودة ثانية إلى قريته.
يمر في طريقه بالبئر الذي رمي فيه أيام طفولته، كان يحمل حبل طويل ،يربط الحبل بشجرة قريبة ،ويرم به في البئر ويدخل إلى أعماقه ..يخرج من جيبه فانوس ويحفر في مكان يعرفه ويستخرج جرة ذهب كان قد عثر عليها أثناء وجوده في البئر ،فيتسلق ثانيه،ويضعها في كيس من الخيش ويشق طريقه عائدا إلى القرية.
وعندما وصل ذهب إلى منزل أسرته ..كانت أمه في زاوية البيت تضع يدها على خدها وتبكي من شدة الفقر والعوز.
اقترب منها وقبل رأسها وقال لها:
-خلص يمه من اليوم مابدي أشوف دموعكي ..إن شاء الله رايحين إنكون أحسن من عيلة الحجارين ورايح أخليكي إتعيشي ملكه في القريه..خذي هذه الجرة يمه.. هذا الذهب كله إلكي؟
* * * * * * * * *
عندما خرج يحيى للتجوال في قريته متفقدا، يكون قد ذهب عليان بزيارة إلى فريال.
فيقول لها ساخرا:
- أيش إنتو مابدكو تخجلو على حالكو ..ويش الأخبار إلي بسمعها يافريال هو إحنا مابدنا نخلص من مشاكلكو؟
-ياساتر أي أخبار ياعليان؟
-سمعت إنو ولدكي يحيى بدو يغير القريه..لا والقرى الثانيه كمان ..هو إيش قاعد بخبص ..هو إحنا ناقصنا مشاكل ..شو بدو يفضحنا ؟
-آآه ..ههههه دشرك منه ياعليان هذا بظلو شب طايش ؟
-الشب الطايش بنلقيلو حل شو هو مو حاسب حساب للكبار بقريته.
فقالت وهي كاذبة بقولها:
-والله إنتي موخذ فكره غلط عنه ..عاد هو والله قديش بحبكو..وكمان جايب إلك هديه وكان بدو يعطيك إياها هو لحاله بس قلت إله خلص أنا بعطيها لعليان ؟
-هديه ..أي هديه هاذي ..وشو بدو يطلع من واحد ساقط مثل يحيى؟
ثم أخرجت فريال جرة الذهب وقدمتها لعليان وقالت :
-هيها إن شاء الله إنها تعجبك؟
برقت عينا عليان من المفاجأة وبسرعة قال لها:
-طيب هاتي وجيبيلي إشي ألفها بيه وخليني أروح أشوف إذا كان هذا ذهب وللا لا؟
ثم خرج مسرعا..فكان متأكدا أنه ذهب فعلا كالجرة السابقة ،ويعلم أيضا في قرارة نفسه بأن يحيى لايحبه وأنه لم يكن ينوي أن يعطه الذهب.
وفي الحقيقة لم تكن فريال تريد سوى عزوة ..أو سند قوي ..ثري تتكىء عليه ولم تكن تثق بأي من أقاربها وأخوتها واولادها ..ولا حتى بيحيى الوفي ..النقي .
فكانت تصر بأن عائلة الحجارين هم الأسياد ويجب أن يبقوا أسيادا.
* * * * * * * * *
بينما كان يحيى في تجواله يمر بمنزل خاله "عطا" فيرى رجل غريب عن القرية يجلس بين مجموعة من الشباب ،منهم اولاد خاله عطا.
يلقي عليهم السلام ..يطلبون منه الجلوس لشرب الشاي معهم ،
كان الرجل الغريب يعد الشباب بوظائف في المدينة من خلال إيصالهم ببعض معارفه هناك من المسؤولين .
وبالطبع لابد من إكرام الضيف ، ففي المساء يعد العشاء للضيف الذي إنتقل للحديث مع يحيى بعد أن لفت إنتباهه.
بعد أن تناول الضيف طعامه ،ومن خلال الأحاديث علم أن يحيى هو أكبر الشباب الجلوس الموجودين ، وأن ذلك المنزل يكون لخاله ،فأخبر يحيى بأنه يريده وحده لأمر خاص وأنه حضر من بعيد لهذا الأمر تحديدا.
وعندما أشار إليه يحيى بأن يكلم صاحب المنزل لأنه هو الأحق بذلك خصوصا أنه ضيفه هو ،
رد الضيف بأنه يعلم ذلك لكن يجب أن يكلم شاب مثله لأن أعمارهم متقاربة كي يفهمه أكثر.
إستأذن يحيى من الجميع واصطحب الضيف إلى سطح المنزل تلبية لرغبته وطلب له الشاي.
بعد أن جلسا قال يحيى:
-والله ياهلا بالضيف تشرفنا بيك في قريتنا؟
-مشكور ..إنتي بتعرف إني غريب عن قريتكو.. اسمي بحر ..جاي من بيعد ههههههه يعني بدك إتقول من آخر ماعمر الله في بلدنا.
-تشرفنا بيك من وين ماكنت ..مغريب إلا الشيطان؟
-الله يحييك..أول إشي ..وقبل ماأبدا كلامي ..بدي أسألك.. إنتي شو بتشتغل هسى يايحيى؟
-والله أنا فلاح ابن فلاح وبشتغل في الأرض لما يكون في شغل ..يعني على المواسم .
-طيب لو صحت إلك وظيفه كويسه في المحافظه أو في المدينه براتب مغري مابتشتغل..الوظيفه موجوده ؟
-مشكور ماقصرت يابحر ..أنا بفضل إني أظلني في قريتي أفلح الأرض وأزرعها وشو ماجابت نعمة كريم.
-على خاطرك ..أنا بس حبيت إني أخدم؟
-مشكور ماقصرت.
-خليني هسى أخش بالموضوع ؟
-إتفضل.
-خليني أجيبلك من الآخر حتى ماأطول عليك؟
-خذ راحتك ياضيف الرحمن ..إتفضل.
-أنا مجوز ..بس أنا عاجز؟
-مافهمت إشي..شويعني؟
-ههههههه خليني أوضح إلك أكثر؟
-إتفضل.
-أنا خربان ..ههههههه يعني ماني نافع مع النسوان..يعني مابقدر إني أقوم بواجبي بلفراش مع مرتي؟
-آآه..هسى فهمت عليك ..بس أنا مش دكتور.
-معناتو بعدك مافهمت علي؟
-طيب فهمني ..بشو بقدر أخدمك؟
-مشكور ..هيك وصلنا للب الموضوع..أنا بقول .. يعني بما إنك جميل الوجه أكيد إنك بتعرف كثير في هاي الأمور وبتكون متاحه إلك ؟
-أي أمور ..أرجوك وضح أكثر؟
-هههههه أنا نصحوني الناس في كل مكان بروحه في البلد إني أجي على قريتكو مشان أعالج حالي بالنسوان إلي عنديكو؟
-قال يحيى وقد نفذ صبره وبدأ صوته يعلو:
-أرجوك وضح إلي أكثر ..شو بدك بالضبط؟
-صبرك علي يايحيى..قالولي إنو قريتكو مليانه مومسات ونصحوني إني أجي مشان أجرب حالي عليهن؟
-أيييييوه هسى فهمت ..وقاعد بتوعدني بوظيفه وبتوعد بشباب القرية وبتغريهم بالوظايف الوهميه ..و..و..وقاعد بصدر البيت إلي أكرمك وبدور الفجور في قريتنا ..يعني مثلا إنتي موخذ فكره إنو رجال القريه كلهم قوادين وبنات قريتنا ونسوانها كلهن عاهرات مو هيك ؟
إبتسم الرجل وقال:
-طيب لاتزعل يايحيى إذا كان مشان المصاري أنا معي مصاري كثير بس أطلب ؟
فصعدت الدماء إلى وجهه ثانية ،وضم قبضته ووضع فيها كل غضبه وغيرته على شرف بنات قريته ووجه له لكمة تسببت بأسقاط أسنانه الأمامية وكسر في فكه ،وقال له وهو لايزال ثائرا :
-أنا هسى بدي أعلمك إنو بنات قريتي أطهر وأشرف من أمك ومن أمهات كل إلي ودوك علينا ؟
فطرحه أرضا وإنهال عليه بالركل واللكم ،ثم قام بجره والقى به من سطح المنزل إلى الأسفل ليسقط بين الشباب المنتظرين في باحة المنزل.
ثم قفز من علو كالنسر المنقض على فريسته،وأمسك بالضيف وسط دهشة الجميع وقام بجره إلى ساحة القرية واوسعه ضربا وركلا.
يتجمع حشد كبير من الناس ،بينما خاله عطا يشتم ويلعن معترضا على أفعال يحيى الذي لايفهم بالواجب والأصول كما وصفه ،وتعديه على ضيفه وفي منزله.
يحضر عليان ،كذلك شرطة القرية فيقول يحيى بصوت غاضب ،مرتفع:
-إنتو عارفين ضيفكو الحقير المنحط هذا ليش جاي وشو بده ..أكيد مابتعرفو..لكن أنا بقلكو ..هذا جاي يهتك عرضكو ..هذا جاي مشان يزني ببناتكو ..وخواتكو ؟
تلفت الجميع متمتمين:
-هذا يحيى طلع مجنون؟
-شو هاظا الحكي إلي بحكيه؟
-الله يخزيه ماأتيسه؟
يرد خاله عطا:
-إنتي كذاب ..وإفرض يعني ..ومهما كان مابطلعلك تضربه ..هذا ضيفي وبداري ..وأنا هسى بدي حقي منك؟
-بدك حقك مني ياخالي..والله إنك عديم الشرف والنخوه.
تقبض الشرطة على يحيى ويقتادونه إلى المركز.
* * * * * * * * *
ينقل الضيف إلى المركز الصحي ،ومن ثم يحول إلى مشفى في المحافظة ،ومن المحافظة يحول إلى المدينة ليتلقى العلاج في مستشفى خاص ،وقد تكفل عليان بنفقات علاجه.
أما يحيى فيوخذ إلى سجن المحافظة ليقدم للمحاكمة.
وفي جلسة المحكمة يشهد عليه الجميع بأنه مجنون وغير سوي وبحاجة إلى مصحة عقلية.
كان عليان قد نصح فريال بأن تشهد ضده وتثبت عليه بأنه مجنون كي تحميه من العقاب والسجن.
يشهد أخوته عليه ،كذلك إبن عمه سعدون مستغلا قدرته على نسج الخيال والأكاذيب؛و قال في شهادته :
-يحيى أجانا قبل شهر على قرية أم الدخان وكنت بلاحظ إنو مو طبيعي من تصرفاته حتى قبل هيك ..من زمان كثير..من وهو زغير؟
وقال سميرو :
-أنا شفته بمشي وهو نايم وكثير كنت ألحقه وأرجعه على الدار أحسن مايضيع وللا تدعسه سياره؟
كان يحيى يبتسم وهو يسمع شهادات الجميع وأكاذيبهم ضده في كل مرة ويهز رأسه أسفا.
وجاء دور أمه هلاله لتدلي بشهادتها وسألها القاضي :
-إنتي شو بتقولي بالنسبة لولدكي يحيى؟
وشهدت فريال بكل مالقنها إياه عليان:
-كنت ..من زمان ..من زمان كثير بلاحظ إنو ولدي مو طبيعي ..بضرب خواته وبسب علي وعلى أبوه ..ومره كان بدو يحرق البيت علينا وإحنا نايمين..أنا متأكده إنو ولدي المسكين مريض وبشكي من إشي براسه؟
ثم بكت بحرقة أمام الحضور متقنة دورها ببراعة مما جعل الحضور يهزون رؤوسهم أسفا وحزنا عليها.
شعر يحيى بالصدمة الكبيرة ..لم يتأثر من كلام الجميع بقدر ماصدم من كلام أمه وشهادتها الكاذبة ضده ،وتشهيرها به.
ثم نظر القاضي إلى يحيى وقال له :
-في عندك حكي بدك إتقوله يايحيى؟
-شو ظل عندي حكي أحكيه ياسيدي القاضي ..هظول أخواني وخواتي وناسي و عزوتي وأهل قريتي ليش بدهم يظلموني..وأمي .. أنا مابشوفها إلا إنسانه عظيمه ..أمي إنسانه طاهره نقيه ..لازم كل يوم احب راسها وإديها حتى أتبارك بيها ..وإذنها قالت عني مجنون فأنا أكيد مجنون ..أمي مابتكذب أبدا ياسيدي القاضي..بس بحب إني أقلها إنو كان ذنبي الوحيد هو إني دافعت عن شرف بنات قريتي إلي بحسبهن كلهن مثل خواتي؟
ونطق القاضي بالحكم .
* * * * * * * * * *
بعد ساعة تقف عربة أمام المحكمة ويخرج منها ثلاث رجال ضخمين يرتدون الثياب البيضاء ويكبلون يحيى ويضعونه في العربة التي إنطلقت بهم إلى مستشفى الأمراض العقلية في المدينة.
(يتبع...)
تيسيرالمغاصبه
٢٣-٥-٢٠٢٤
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق