(لن تشرق الشمس أبدا )
قصة متسلسلة
بقلم :تيسيرالمغاصبه
٢٠٢٤
الفصل الرابع
----------------------------------------------------------
-٣٢-
الناي الحزين
إنتهت الحرب التي تحولت إلى معركة سريعة ،إنتهت بعد أن دمر العدو قرية أم القنافذ بأكملها وبعض مباني القرى الأخرى.
المعركة التي كانت معدة لتكون إحتلالا أخر ،ففشل العدو في إتمام الجزء الأهم منها.
إنتهت ..وعم الفساد أكثر وأكثر،ذلك الفساد الناجم عن الجوع والفقر والبطالة،وإزداد البغاء والطلب على الأجساد،فلا يوجد ماتقدمه القرية سوى الأجساد العطشى..الجائعة ،والتي باتت تقدم مقابل ثمن بخس ..أو حتى بلا ثمن طلبا لللذة الشخصية.
وإزداد العبىء على كاهل يحيى ..
يحيى الذي أبلى بلاء حسنا في المعركة لايراه أهل القرية سوى إنسانا مختلا..مجنون،
بالرغم من معرفتهم ..بل ويقينهم بأن أمه وأخوته وبني عمومته هم من كانوا وراء تلك المكيدة.
لكن أهل القرية دائما مايتفقون ويتحدون على الشر وينبذون الخير ويحاربونه.
* * * * * * * * *
لم يرتح مأمون للعيش في قرية أم الملح ولم يستطع التكيف مع سلوكياتهم وأخلاقهم المتردية ،وسمعتهم الغير المشرفة.
ففضل أن يعود إلى الجبال ليبقى برفقة نوال وفرح للعيش هناك متنقلا بحرية خصوصا أنه لم يستطع نسيان محنته أيام سجنه في المصحة والعذاب الذي ناله على أيدي المجرمين هناك،فأختار الحرية في أجمل صورها.
كذلك غادة التي لاتحفظ ذاكرتها من القرية سوى الذكريات الأليمة،
وهكذا تحتضن الجبال إثنان جديدان ليصبحوا أربعة من خير ماأنجبت القرية الفاسقة ..أربعة وعلى رأسهم يحيى الذي كان دائم التردد عليهم.
* * * * * * * * *
إنتشار الخنادق في كل مكان قد ساهم في إزدياد إنتشار القطط الشبقة والذكور الذين لاهم لهم سوى إرضاء غرائزهم.
تقفز فتاة في الخندق ويقفز خلفها شاب ..وقبل أن يهما ببعضهما يرون يحيى واقفا على حافة الخندق ،وقد عرف الفتاة ؛أنها من عائلة الكحته ،فيقول ساخرا:
-ماشاء الله..يعني مثل الحيوانات بالتمام لارحتو ولا أجيتو ..في جحر ..وعلى لتراب ..بدون مشاعر ..بدون أحاسيس ..يله إطلعي وعلى داركي بسرعه؟
وعندما خرجت الفتاة نظر إلى الشاب نظرة حادة بعينين أحد من أعين الصقر وقال له:
-وإنتي ..إذني بقظبك مع بنت تراني بحط بيك بدن وبروحك على دارك مشلح ..إنتي فاهم؟
هز الشاب رأسه بنعم وهو يخشى أن يوسعه ضربا كما فعل بالضيف سابقا وذهب مسرعا ،أما الفتاة التي بقيت واقفة، فقالت له بوقاحة:
-إنتي أيش دخلك يايحيى..لا إنتي إبن عمي ولا إنتي إبن خالي؟
-كيف شو دخلني..إنتي بنت قريتي وشرفكي هو شرفي .
-بس بلاش كذب ودجل؟
-كذب ودجل ..إنتي مش مربيه..طيب اسمعي إذنو مافي حدى يربيكي ترى أنا بربيكي..يله إقلبي وجهكي من هون؟
-والله خوفتني.. إنتي إلي بدك إتربيني ..روح ربي حالك ..ناقصني مجانين؟
وبعد أن إستدارت للذهاب عادت ونظرت إليه بتحد وقالت:
-أسمع هذه الحركه إلي سويتها مش رايحه أمرقها إلك ..وإذا مابتبعد عن طريقي تراني بورطك بقضيه ماتطلع منها ؟
ثم إستدارت ذاهبة.
* * * * * * * * *
ماأن يسير يحيى قليلا حتى يخرج من تحت ساقيه شاب .. يخرج من خندق آخر وكاد يحيى أن يتعثر ويسقط فوقه ، ومن ثم تخرج من بعده فتاة من قريته ،فيقول يحيى وهو لايزال مندهشا:
-ياساتر يارب ..شو هاظا ..شو هاظا ؟
فأمسك بالشاب الذي كان من المحافظه بينما هربت الفتاة قبل أن يتعرف عليها.. فأوسع الشاب ضربا وركلا وصفعا،ثم طرحه أرضا وقام بدحرجته حتى ألقاه بداخل الخندق من جديد ،وقال له:
-أسمع..هاي المرة رايح أكتفي بضربك لكن والله العظيم إني لو شفتك في القريه إني غير أدفنك هون ..إنتي فاهم.. الله يلعن المحافظة إلي رمتك علينا؟
* * * * * * * * * *
استمر يحيى في مراقبة وتنظيف الأزقة والشوارع والحفر من المنحرفين حتى وقت الظهيرة،فيرى طفلة في الثامنة من عمرها تسير في آخر وأبعد زقاق ،قرب أشجار الدوم ..يذهب إليها بينما عيون خنزير وحشي تتابعه من وراء الأشجار؛إنها عيون أخيه زكي الذي كان يترصدها،فقال لها يحيى:
-مرحبا عموه؟
-أهلين عموه.
-إنتي وين رايحه عموه بهاظا الشوب؟
-بدي أروح على الدكانه مشان أشتري.
-لا عموه هسى مافي دكاكين بهاظا الحر روحي عموه على بيتكي..يله عموه ركض؟
تعود الطفلة ثم ينظر يحيى إلى المكان مترقبا ومن ثم يمشي متابعا تنظيفه للمنطقة بالرغم من الحر الشديد.
يخرج زكي من وراء أشجار الدوم وقد أضاع يحيى منه فريسته ذات اللحم الطري ، فبصق على الأرض وغادر المكان وهو يركل الحصى بقدميه وينفث الشتائم كالثعبان.
* * * * * * * * *
يشق نزار طريقه بين الصخور متوجها نحو الشارع الموصول بجسر الموت لعل عربة تعثر عليه بالصدفة. كان يسير بإعياء شديد وهو لايزال ينزف بغزارة،وقد فقد الكثير من الدم.
مع المساء يجلس على حافة الطريق ،فتثير رائحة دمه الوحوش القريبة التي إتبعت رائحة الدم.
وبعد أيام يعثر على هيكله العظمي المتبقي منه .
* * * * * * * * *
ماأن يسمع أحد صوت الناي الباكي حتى يعرف مكان يحيى في القرية ،إن كان فوق تلة ..أو وراء صخرة.. أو يستظل تحت شجرة .
فأصبح يشكل تهديدا لكل من تسول له نفسه بفعل أي فعل شائن.
أبدع يحيى في تأليف مقطوعات موسيقية تحكي أحزانه ورحلته الطويلة التي أمضاها مابين القرية والمدينة والجب والمصحة منذ البداية.
عندما ترى تمارة يحيى هذه المرة وهو يضج بفتوة الشباب ووسامته يثير شغفهاوغريزتها..وشبقها الرهيب ؛سيما أن الحب في القرية يعني شيئا واحدا ؛ هو الجسد ..ولاشيء غير الجسد.
فأرادت كسر قاعدة أسرتها في إختيار شاب "قرن "دييوث..لايغار على عرضه ليمكنها من إشباع رغباتها التي لاتكتفي وأرضها الجافة التي لاترتوي أبدا.
لكنها ستحاول بأن تجعل يحيى كذلك من خلال السحر والشعوذة التي تتقنها هي وأسرتها بإشراف خالها و معلمها المشعوذ الرهيب "حميد" المقيم في قرية أم الدخان،وهو دائم التردد عليهم.
فقد خشيت أيضا بأن تسبقها فتاة أخرى إلى يحيى وأن توقعه في شباكها.
فهي تتمنى أن يكون يحيى لها على أن تحوله من ذئب حر ..عفيف ، إلى خنزير قذر ..دييوث.
كانت تماره مخطوبة لسلمان ابن عمها الذي كان يحبها كثيرا ويغار عليها ..ولم تفلح أعمال السحر والشعوذة في تحويله هو الأخر إلى دييوث.
فقد ضيق عليها الخناق بسبب غيرته الجنونية ،وبالرغم من حبها له فقد فسخت خطبتها منه وأعادت إليه خاتم الخطبة.
فأرسلت رسولها إلى يحيى عارضة عليه الزواج ليقول له:
-تماره ابنة الكحته ودتني عليك ..وبتعرض عليك الزواج ..يعني لو حبيت إنك تجوزها هي موافقه وبدون شروط ..وإنتي ياولد عمي عارف إنو موعيب إن البنت تطلب الستيره والزواج من شب شافت إنو محترم ومؤدب ..فا..شو رايك ياولد عمي ..بدي أرد إلها الجواب؟
يضحك يحيى حتى يسقط على ظهره خصوصا أنه كان يعلم من هن بنات الكحته، ويعرفهن كل المعرفه، وقال ساخرا:
-يعني تماره بدها تطلب إيدي ..وقديش بدها تدفع مهري ههههههه على أي حال قلها شكرا إلكي وإنتي كويسه وأحسن مني ..لكن أنا مش ناوي إني أجوز أي بنت من قريتي ..مش كبره مني ماعاذ الله لكن لأني بعتبرهن كلهن خواتي ؟
وعندما نقل رسولها إليها الحديث الذي دار بينه وبين يحيى وضحك يحيى وسخريته منها ،حقدت عليه ولم تنسى إهانته لها وقد ضمرت له الشر.
وتمنت سقوطه يوما ما كي تضحك منه متشفية.
* * * * * * * * *
بسبب كثرة الحفر والمستنقعات في القرية،ينتشر وباء جديد مفزع،
يحصد عشرات الأرواح يوميا.
وتضاربت الأقوال حوله ،البعض قال بأنه وباء نادر ..البعض الآخر قال بأنه وباء جديد.
لكن أكد كبار السن بأنه الطاعون.
الحكومة عتمت على التفاصيل وحتى لم تقم بإزالة الصخور المنهارة فوق الجسر،وقيل بأن الحكومةقد تعمدت إبقاء الجسر مغلقا وذلك كي لاينتشر الوباء في المحافظة ومنها إلى المدينة..وليبقى الوباء فقط في القرية والقرى الأخرى التابعة للمحافظة.
يزداد عدد الوفيات يوما بيوم فتمتلىء مقبرة القرية بالاضرحة..فيتم توسعتها لتصل إلى البيوت ،ويتم إختيار أراض أخرى للدفن.
أحد مسؤولي المحافظة قال بلؤم وخبث :
-هيك أحسن حتى تتنظف القرى من عبيدنا ونوخذ إلي ظل من أراضيهم إلنا عشان إحنا الأسياد؟
أما أهل القرية فلم يأخذوا أي عبرة أو إتعاظ أبدا ..ولم تتوقف الرذائل ..ولم يتوقف الفسق أبدا ..و إزداد الوضع سوءا.
وهناك من مات متأثرا بإصابته بالوباء وهو مخمور ..وهناك من توفيت وهي تحمل بأحشائها ابن غير شرعي.
وإزداد الفجور والسرقة والزنا والإغتصاب والقتل .
والكارثة الأخرى أن المواد التي ترشها الحكومة فوق القرية بواسطة الطائرات بهدف القضاء على الوباء أو التخفيف من حدته وإنتشاره،كانت تتسبب في تحسسا مثيرا للغرائز الجنسية.
فكثرت حالات الحمل الغير الشرعي لدى الفتيات ،وبالتالي كثرت إجهاضات البنات والتخلص من المواليد بإلقاء جثثهم في الحفر وبين الصخور .
فتسمع أقاويل شبه مؤكدة بأن المسؤولين المحاصرين في القرية كانوا يقومون بحرق الجثث التي كانوا يعثرون عليها نافقة في الطرقات والأزقة.
يموت نصف أولاد عائلة الحجارين،ويموت ثلاثة من أخوة وأخوات يحيى.
وتشير التقديرات بأن نصف أهل قرية أم الملح قد قضوا بالمرض الرهيب ،المروع.. في الوقت الذي لم يمت أي منهم في المعركة السريعة..الخاطفة مع العدو.
(يتبع....)
تيسيرالمغاصبه
٢٠-٦-٢٠٢٤
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق