الاثنين، 10 يونيو 2024

نص نثري تحت عنوان {{قل للزمان ما أوسخك}} بقلم الكاتب السوري القدير الأستاذ{{مصطفى محمد كبار}}


قل للزمان ما أوسخك

لا شيء يعجبني

إنها مكيدة الأزمنة القديمة 
و خرافات البدائل
تقول الأسطورة كونوا منكسرين 
لتكون الحياة مستقرة 
بفرحها
و كأننا نتسابق مع الريح 
بلا  وعي
فنشحذ من الأماني ما يهدء
من روعنا
في الحلم بعد منتصف الليل 
بأول البداية 
و قبل بزوغ الفجر البعيد 
قبل ولادة الغسق بدقيقة 
كنت ممدداً على أرصفة الخيال
و أفكر 
كيف لا تسقط النجوم و القمر
و هي معلقةٌ بالسراب 
بلا  شيء
كيف الغيوم لا تبللها الغيث من
مطرنا الأسود
لوحدي نمت بحلمٍ على طريق 
الخطأ 
فحملني ذاك الحلم بأجنحة
الريح و أخذني معه 
برفقة سربٍ من الحمام المسافر
في المدى
السفر دربه كان بعيداً و شاق 
و كل الأماكن كانت من الضباب 
الأخضر
فكان يطلع من باطنها دخانٌ 
كثيف 
و الفراشات كانت تحترق من تلقاء
ذاتها 
فالليل و النهار  كانا  لونهما أزرق 
و رمادي 
كان الشكل يميل إلى التشبيه
ل ألوان قوس قزح
فالمشهد المريب من خيال القتلى 
القدامى
كنت معها و كانت معي و كان
و كانوا و كلنا كنا و لم يكن 
هناك أحد 
سوى سكون الليل و البومة التي
كانت تقف على التينة 
و هي تراقب رواية الفيلم كله 
بكثب
فقالت البومة حارسة المكان  
إتركوا هذا المكان و إنسوا الزمان 
و سيروا مع الريح 
أريد أن أحلم بشكل الليل أكثر
تأملاً
فمضينا دون أن ندري متى مضينا
من هناك
و متى تحررت من خاصرتنا الخطوة
الأولى 
و نحن في الطريق سمعنا صوتً
من بعيد تقول ....

أنا إمرأة مطلقةٌ 
و لا أعلم متى يطلع الصباح 
من أصابعي ثانيةً
تجملتُ له بألف ليلةٍ ساخنة
و لبست فستان الزفاف الأبيض
و مارست الجنس برغبته
هو 
و بعد عدة سنوات تقريباً من 
العشرة معه  .........
هجرني دون أن أعلم لماذا 
هجرني
أعدت بذاكرتي ذكرياتي و رتبت
صور الخيبة
فنسيت من الوجع أن أبكي 
فقلت للآلهة  
لا شيء  يعجبني

لقد تأثرت بقصة المرأة المطلقة
و تعاطفت معها
فقلت للحمام المسافر
ربما هي تقول نصف الحقيقة
أو 
هي تهزي من الإنكسار بسقوط
حلمها و جسدها المستباح
فلندعها تنجز بخيبتها كل ما 
تريد من اللوم
فالليل سينوب عن القصيدة 
ليكمل لها بالمعنى و الحقيقة 
معاً

ثم أكملنا الطريق المؤدي إلى 
معجزة السراب 
و مضيتْ مع الحمام المسافر 
بذكرى الندامة من تلك المرأة 
الخاسرة

و بعد قليل رجعنا و سمعنا 
صوت رجلٍ من البعيد يقول 
أنا أيضاً 
لا شيء يعجبني 

لقد زرعت أمام حلمي أشجار 
الزيتون الخضراء و دالية 
عنب
و بنيت منزلي من حجراً و تراب 
بجانبها
و عندما جئت أسكنه كي أستريح
من تعبي
فجاء الكلب القريب الغريب و سرقه
مني و سكنه
و أشرع بسيفه نحو صدري و عنقي
و نصب منصة مشنقتي
و قال لي
أنا الإله الجديد  سيد هذا الزمان 
و هذا المكان
فيحق لي ما لا يحق  لك فإنصرف
بعيداً عن رغبتي لأكون أنا  
أنا
و شتم الأنبياء بصلاته و تمتم 
بالدعاء علي لأموت 
فهو يرفض الآخر  لا يستطيع 
فهم لغة القرآن 
و لأني أملك من الشرف مالا 
يملكه هو
فأنا أصنع من الكفن حمامة 
السلام
كرديٌ أنا من أبناء الله الحسن 
لا أقتلُ أحداً و لا أسرق ملك
أحد
فالكوثر من الزمم يجري بعروقي 
فأحيا بقلب الشمس 
و أشرق على الدنيا نوراً من 
الرحمن
فهربت من هناك من منزلي الوحيد 
من الكفر و من البيعة للشيطان
الأكبر 
هاجرت لألف موتٍ و جرح مع 
أُسرتي في الضياع
و نسيت طريق العودة و مفتاح
البيت  و كل  ذكرياتي 
هناك
و بكيت بوجعي حتى ملَ البكاء 
من بكائي و هدني
فكتبت على جدران الغربة 
لا شيء يعجبني 

فقلت للحمام المسافر 
من هو هذا المتوفي الغريب 
قالت الحمام 
نحن لا نعرفه فربما الوجع 
يعرفه أكثر منا
فالنكمل رحلتنا بذاك الحلم 
و ننسى ألم  و وجع هذا الغريب
المسكين

فرحنا  نبكي  لأمره  
و  مضينا 
بمركبات الريح برحلتنا المكتأبة
الطويلة
و لم نمضي كثيراً بمسيرنا المعثر
في البلوغ
و من جديد سمعنا أحدٌ ينادي يا
أيها العابرون 

أنا المكسور الخائب 
أراقب دائماً شبحاً  يحاصرني 
فأسأل 
منذ متى و الضجر يقتلنا من
الرغبة
و لما  تحاصرني يا أيها الآخر
الحاقد 
و هل ما بعد موتنا سننجو من
الهلاك في الغياب
فيرد المكسور  .......
كن ما تريد لكنك لن تنجو من 
حراس الضجر عند حدود 
الأمنيات 
فلكَ من الزمان و السنين كل ما 
يتعبك و يكسرك
فإسكن جرحك حيث أنت تكون
لتكون
و لا تفكر كيف سيكون موكب
الجنازة
فالأموات لا يحق لهم أن يفكروا
أو يحلموا 
دع كل شيء للأيام وحدها 
و إبكي على حالك كلما أجهزت
عليك و قتلتك
فربما تنسى زمني و تلك الكلمات 
التي كسرت جدار القصيدة 
فأنا سأبقى هنا أصارع أثرك و
أنتظرك 
ريثما تعود من الغياب كي أقتلك 
بكل مرةٍ يطلع بها
الصباح 

المكسور للآخر الغريب .......
  
ضع النصيحة جانباً 
فإني قد مت منذ الأزل منذ كان
النجم حجراً 
فمن تراه الآن لست أنا 
إنها بقايا الأوجاع من إنسانٍ 
مقتول
بظل الحياة البعيدة
فلكَ من جسدي كل ما يشبعك
و لي منك التزمر في الأنساب
و الرقص بالعجب
قد خسرت ما خسرت من الحياة 
و ما جار علي 
فلا شيءٌ يعجبني يقول ذاك 
المكسور 

قلت لقافلة الحمام المهاجرة
برفقتي
دعينا نحمل بعضً من الأرواح
المتبقية إذا ما إستطعنا
دعينا نكتب حكاية أسمائنا على
خدش الريح إذا ما إستطعنا 
دعينا نمشي عند منحدرات 
الكلام 
و نقول لهذا الشغب إذا ما 
إستطعنا 
لننجو بها في البعيد أملأ و نزرعها 
بعيداً عن الخيانة و الغدر 
الكبيرين
الحمام  ....... كفى 
كفى
فنحن قد إمتلئنا من الغياب و من
الكلام ما يكفي لنسقط بعيداً 
بخيبتنا
فإترك أحوال الحجارة تشبع من 
بكائها 
علَ السماء يوماً تبكي و تلين
بحالنا فننجو قليلاً قبل
الموت الأخير
و إمضي بسفرك كالحجر بلا حلم 
حتى  لا يكسرك
و لا تثرثر كأبله أحمق بسيرة 
الناس 
فأطوي ظلك تحت نعشك و أسترح 
على القبر و أجهش
من ما يهين مزاجك المزدحم 
بكفر الزمن المر
كن هادئاً و أنت تكتب القصيدة 
فكر بالمعنى قبل الكلمات 
كن شفافاً معها كالماء والهواء 
بوقت الرحيل
كن خبراً  و  أثراً 
و لا  تكن بعناء من سكنوا أحلامنا
فقتلوها 
و تركونا عند أبواب القيامة ننوح
بصلوات الندم
لقد أصبحنا كلنا غرباء عن بعضنا
البعض
ثم بخيبتنا أكملنا الطريق بتلك 
الرحلة المشؤومة
دون أن يكون لنا رأيء بالحدث
الذي كان أو بما سيحدث 
في المستقبل 
نجمتان مهجورتان فوق جسد 
السماء 
كانتا تحدقان على أسماء 
النائمين
و لم تقولان لنا الحقيقة 
و ما هي أفضل طريقة لنا 
للنجاة
قبل المغيب بقليل كانت الشمس 
تميل بلونها من الأصفر
للأحمر
سمعنا صراخ طفلةٍ من داخل زهرةٍ 
محترقة رمادية اللون 
و هي تستنجد بالعابرين المسرعين
أنجدوني  ساعدوني
فأنا الفراشة الضائعة بين النار
و بين الآلهة المتسلطة
لقد رسمت على باب البيت قمراً  و
وردةً تحمل فكرة برائتي
فسقط الباب مع صوري و رسوماتي
في الضباب 
فنسيت تاريخ ولادتي و كل لعبي 
التي إحترقت  في بلد 
الحرب
فحملني أبي لأرض الغرباء لينقذني
من الموت 
و ثم رحل مع الغيم نحو السماء 
و هو  يبكي 
فتركني وحيدة هنا منذ السنين 
دون أن أحلم بالصباح
و قال لي يا بونيتي إنتظريني 
قليلاً 
ريثما أرتب للعمر شيئاً في عالم
الغياب ما يشبهه
فأعود من الهلاك إلى الهلاك
فالهواء هنا يا بونيتي مالحٌ و
مر 
و القتل لم ينهي بموتانا صور
الذكريات 
فتنهدت السيدة الصغيرة الطفلة 
الحزينة
فأنا منذ كان عمري ستة سنوات
و أنا 
أنتظر عودة أبي من الغياب 
لكنه  لم يأتي لأحضنه 
بشغف 
و الآن أنا بنت الثلاثين عاماً 
و ما زلت أسجن فينا صراخات
الأمس كما بقيتْ
فلا شيءٌ هنا يعجبني 
أريد أن أبكي 

فعندما سمعت هذه الطفلة 
البريئة 
المسكينة تنطق بالحقيقة 
كلها
أحسست بتنمل جسدي من شدة
الدهشة 
فأدمعتُ بدموعٍ ثقيلة و غزيرة
لكنها كانت لا تشبه 
المطر 
ثم تركنا الطفلة لوحدها تئن
بوجع الفراق
لخيبتها الطويلة فأمضينا و نحن في 
الأثير
و نحن نحمل ذنب تلك الروح 
التي دونت لعنتها فينا

فقلت للحمام و أنا أجهش بحزني
لقد تذكرت طفولتي البريئة 
التي ماتت  
فأنا مثلها نسيت غداً  لأحيا
به ........

و بعد مرور الزمن من الحديث
كما بدأنا جاءنا 
صوتٌ خفيف من داخل 
غيمةٍ 
عابرة كانت تمشي بجانبنا
كأنه كان يشبه صوت الملاك الحائر 
فيدق بالصدى المريح البارد
الخفيف 
كأنه يريد أن يقول لنا شيئاً 
فقلت له
مالك بالكم تهمس وجعاً يا ملاك 
الروح 
مالك تنادي على السراب 
قال ........

أنا رجلٌ بسيط و فقير الحال
أحببت فتاةٍ كردية من
أمتي
كانت لعبة بيد الثعالب و الكلاب
فتقدمت لخطبتها 
و تبشرت خيراً لكسب الصواب
بنجاتها من ربي
فتزوجتها و جعلتها ك قبلتي ليوم 
القيامة و سلمتها قلبي لتصون 
العهد الأمين 
فإذ  بها تخدعني بالطعن الكبير  
و تمضي كافرة
كالغريبة تحصد أحلامها بحاوية 
القمامة بغدرها
و نسيتْ كل ما خسرت لأجلها 
و نسيتْ زمني بالحب و الوفاء
لها 
و كل تضحيتي بطول السنين التي
جاورت الثلاثين عاماً أو أكثر 
بالذي خسرته
فيا أيها الحجر البعيد قل بآذان
التكبير بوقت الصلاة
إني أسير الخيبة و الدموع
فأنا المفجوع 
فأنا المهدوم المظلوم
و أنا المخدوع القديم ضعيت باب
أنايا لأعود إلى أنايا
فأنا الذي قرأت من القرآن طيبتي
و رحت أذوب من البلى بناري
كالشموع
فضاع العمر بالهلاك  باكراً و نهشته 
الكلاب المتكالبة 
فلا شيءٌ يعجبني هو يقول 
ذلك 
عندما كان يموت وجعاً 
هناك

و تقول سيدة بالخمسين
أنا أيضاً  لا شيء يعجبني 
ربيت أبني بتعب العمر حتى شاب
شعري الأسود
و عندما إشتد عوده قتلته رصاصة
الغدر في بلدي
فمات محبطاً من المستقبل الذي
ضيعه باكراً 
دون أن يعلم ما الفرق بين الحياة
و الموت السريع
فأجهش في الموت باكياً و لم 
يودعني
بعد موت ولدي تقول أم الشهيد 
و هي تبكي 
لم يعد هناك شيءٌ يعجبني 

فيصرخ عجوزٌ مسن 
أنا أيضاً لا شيء يعجبني 
بعدما تقدمت بالسن أصبحت
أكثر إحباطاً  
كان لدي عشرة أولاد من نور
كانوا يحلمون مثلي 
لكني ولدتُ مع ولادة الفجر البعيد 
فعندما تذكرتهم
زرعت أملاً بشروق الشمس لكنها
تأخرت علينا بمجيأها
و قلت في المرايا كلاماً يكسرني
بالوجع الكبير 
عندما كبرت و شاخ العمر بجدار
الكهل 
فلم أجد  أحداً  من أولادي
كأنهم إبتلعتهم الريح 
فربما إنشغلوا عني بأمورٍ الحياتية
اليومية فنسوا زمني
أو ربما قد فقدوا  ذاكرة الأمس
البعيد 
و تاهوا عن صورتي القديمة 
بالأسود و أبيض
فجف العقل من التفكير  و من
برودة الدماء
فنامت الأبصار على أرصفة 
الإنتظار 
و هي تفتقد شهوتها في الحياة
و الروح 
بظل النسيان هي نقشت صورتها و 
ماتت منفصلة عن الواقع 
المغاير
فمن يأخذني للوراء البعيد 
أقول له 
لا تقتلني ثانية لقد نسيت 
موت هناك 
لقد إختلف الشهود و الزمان
و إختلف رائحة
المكان 
فكلما تذكرت زمن البداية توجعت
أكثر بنار الحنين 
فلم يعد هناك شيء الآن  
يعجبني 
أريد أن أبتعد بالقصيدة أكثر 
من إستطعتها 
و من حجمها و أستريح في الغياب 
بوحدة الروح المقتولة

فقالت لي الحمام المسافر  و هي 
غاضبة
ماذا سنقول للأيام التي كسرتنا
بمركبات الراحلين 
ماذا سنفعل بهذا العبث الكبير 
أننسى ما حصل 
و متى سنصل إلى معجزة 
النسيان 
أم نكتب بحكايتنا وجعاً بأسمائنا
حجراً حجراً و ثم نبكي
الحمام متوهجة الصوت لنكمل سفرنا 
هذا الطويل 
حتى ندرك ما هو هذا الشيء 
الغريب
الذي يكسرنا و لا يتحمل وجودنا
علناً
ما هو هذا الشيء الذي نجهله 
قبل ولادة البكاء 
و هل نحن سبب المأساة بتكوين 
كوكب الارض غلطاً
أو  هو الوجود ذاته هو الغلط
أم لوحدها هي الآلهة التي تتحمل 
ذبنا الكبير و ذنبها
و أين ذاك الشيء الخافي ليعيدنا 
لنحيا قليلاً قبل الموت 
كي نحترم القيامة من بعد هذا
الموت 
و نقول للرب شكراً لأنك أشرقتنا 
و أحييتنا يوماً 
فأدركنا ما هو طعم الحياة و كيف
يكون 
أدركنا ما هو شكل الأنسان قبل 
الموت فشكراً يا الله 

فقلت للحمام المسافر أنا 
قدماي قد تحجرت من ثقل المسافة
و وحشة الحكايات 
سافري وحدكِ كما تريدين ياحماماتي
أم أنا 
سأقف على جبل الهزيمة و أصرخ
في المدى من أنا و من
أكون 
سأقول للآلهة عن وجعي هنا يكفي 
لقد أشبعتني من وجع 
الهلاك
دعيني و شئني 
دعيني أكرهكِ كما أريد من شدة
الخيبة 
حرريني من ظلمك لي و أنثريني
بعيداً عنك
فأنا أريد أن أصحو من حلمي القاتل 
بأقل خيبةٍ ممكنة
و  لكي لا أتوجع أكثر بتشردي في 
الرحيل 
أريد أن أنسى زمن رحلتي معكِ و 
أنسى ما يؤلمني  و ما يهزمني

فأنزليني هنا يا أيتها الحمامات
الخاسرة المهاجرة
فلقد تعبت من السفر على أرصفة 
المنفى 
المرةِ بتلك الوحدة القاتلة
و لم أعد أستطيع على مقاومة 
الإنكسار أكثر من الذي 
كان
فدعوني لوحدي هنا أكتب على 
مرآة القصيدة كل وجعي
فربما أجد في الكتابة ما ينقصني
في غيابي
ربما الكتابة تنقذني من ظلم 
الحياة 
فكتبت كلاماً أشبه بملحمة الفلاسفة 
و المؤرخين المبدعين 
دون أن أكتب حرفاً  واحداً 
في القصيدة 

كتبت  فراغ    فراغ     فراغ

فأنا لبعض الوقت قد تسللت من 
قبضة حلمٍ 
كان ملائماً للإنكسار أكثر 
فأكثر
ثم مشى الخوف بي و أنا أرتعش
من الحزن و الكآبة
و تابعنا بألم الحديث الطويل أكثر
من اللازم مع الحمام 
المسافر 
فنسيتْ الحمامات أن تكمل رحلتها 
من شدة الكلام في 
المجهول

و أنا نسيت البقية بذاكرةٍ ضائعة

لكن ......... ؟

فعلى مسافرٍ  غيري أن  ينام 
بذات الحلم و يحلم
و أن يكمل بوصية الرحلة الأخيرة
للبجع الراحل

إلى آخره  ........ إلى آخره 

و إن تذكر يوماً ذاك الحالم 
بوصيتي 
دعه يقول يا أيها النائم في 
الريح 

قل 
للزمان ما أبغضك فلا تكنُ 
و لا تلين
تنام فوق جرحنا و تجرع من 
كأس الدم خمر دموعنا
فما أحقدك
فما أقذرك بوقت الوجع
و ما أجهلك
ما أوسعك 
ما أبشعك
و ما أبخلك
ما أوجعك 
و ما أبردك يا أيها الزمان فكل مواسمك 
هي  مرةً و باردة كالجليد
فما أوهجك
و ما أثقلك و أنت تكسرُ ظهورنا طعناً 
بسهامك المسمومة
قل ........
من علينا كالحجر الرامي
أنزلك
و ما أقصرك يا أيها الزمان بفرحنا
إن جاءنا
و ما أطول و قتك حينما تقسو علينا
بألم الخذلان و تثقل
بموتنا
ما أجهلك فينا حينما نريد أن نكون
فتجعلنا أنا نكون مشبعين من
الخيبة
و كلما تحررنا من السقوط قليلاً 
لنكون أقلُ وجعاً 
فتستبق كل الأشياء فينا فكلما أوحت 
السماء لنا بفجرٍ
جديد 
تأتي إلينا بغلك و تكسرنا بمدافن
الأيام و تتسلى بنا
هناك  عند أبواب الفجر البعيد 
فلا نكون 

قد سكناك يا زمني بطفولتنا البريئة
و حلمنا بك خيراً 
فأثقلتنا و أحرقتنا بنارك حتى
ما بعد القيامة 
و جعلتنا إلعوبة الأيام الحاقدة
بملحفة السنين 
فلنا منك كل شيء قاتل يا زمني
كل أشكال المحن 
حين تكسرنا بوجع الطعن و تسرع
لترهقنا 
و تسرق منا صورة الحياة الجميلة
قبل أن نصحوا بها و لو
مصادفةً

فما أحقرك  و ما أكفرك  و ما
أظلمك يا قاتلي البريء  
قد كان حلمي بأطراف المنفى هناك
قصيراً جداً 
ربما كان عمره خمس أو أربعة
دقائق 
لكن الليل هو الذي كان طويلاً  
و شاحباً بنا
الحياة هناك كانت تشبه الغزالةُ
الراكضة
و هي تفر  مني هاربة للبعيد 
البعيد 
و أنا كنت أركض خلفها مثل الكلب 
الأجرب الكسيح
و عندما فتشت حولي لم أجد 
جناحي بأطرافي 
فشعرت بعلتي أنها عقيمة الولادة 
من جسد الوداع
و قلت لتلك الروح المتهالكة 
كيف لي أن أحلق عالياً لنجاتي 
من الجحيم 
و أنا املك أجنحتي كما الآخرين 
فلا يشبهني الحي من البشر 
فعندما كبرت بالسن محبطاً مع
العمر
نظرت للوراء فرأيت نفسي أجرُ 
بمضاريحي 
بتابوت حياتي القديم 
فقلت لنفسي  كفى يا أيها الكابوس 
اللعين  كفى
لا شيء هنا أكثر من ذاك الفشل الذريع 
في النجاة 
لقد إنتهى الكلام من قافية المنام و 
الحلم نكث ذاته بذاته 
فهل سنعود يوماً لأنفسنا التي باتت
غريبة هنا 
أم سنبقى نحمل سقوطنا و هلاكنا
لآخر النفق 
فإن القصيدة هي من ملك الحالمين
الخاسرين
فهي لا تستحق أن تقرأ
حتى 
لمن ناموا واقفين بديار السخافة
حيث تكون القصيدة منقلبة 
على نفسها  
فأسطورة الطائر الفينيق الخرافية 
هي أسطورتي
قبل نبوءة التيقظ كانت ستخبرنا
عن شيء قادم 
لكنها لم تسبق الوقت المتبقي 
لديها فماتت محبطة
و مات الحلم الأزرق الداكن و هو
يافعاً بالنهيق خلف التكاثر 
أما الجرح القديم وحده بقي 
بجدارية القوافي
يشرق من الكلمات بالأبدية
الكافرة 
و لا أحد أظن من  بعد الآن 
سينجوا من لعنة تلك القصيدة 
الطويلة 

ابن حنيفة 
مصطفى محمد كبار 

حلب سوريا  ٢٠٢٤/٦/٤ 

ليست هناك تعليقات: