(لن تشرق الشمس أبدا )
قصة متسلسلة
بقلم : تيسيرالمغاصبه
٢٠٢٤
الفصل الثالث
-------------------------------------------------------
-٢٨-
صراع النفوس
تصل كفايه زوجة سهل مع عشيقها محمود إلى عمق الغابة وهي تحمل ابنها الرضيع وممسكة بيدها الأخرى يد ابنها الصغير وتقوده.
بينما محمود يقود ابنها الآخر.
فقال لها محمود بتوتر:
-هينا بعدنا كثير عن القريه ياكفايه وأنا شايف إنو هاظا مكان كويس إنخليهم بيه؟
ترد كفاية بثقة وشجاعة :
-لاتستعجل يازلمه خلينا إنبعد كمان شوي ؟
ماأن إبتعدا كثيرا حتى طلبت من أولادها الأثنان الجلوس ووضعت الطفل الرضيع بحضن أكبرهم وقالت محذرة بينما محمود ينظر متلفتا بنفاد صبر:
-خليكو هونا ياعيال إصحو تروحو من هون وديرو بالكو على أخوكو الزغير إحنا بدنا إنروح إنجيب إلكو أكل ونجي..ماشي ياعيال؟
وثم أمسكت بيد عشيقها محمود وسارا معا مبتعدان محاولان الهرب بأسرع وقت إلى قرية أخرى.
* * * * * * * * * *
يصل المراقبون ورجال الأمن..كان يحيى لايزال ملقى على الأرض ،لم يقاوم غادة ،بل لم يوجه إليها أي ضربة وحتى لم يدفعها عنه؛وإنما تركها تخرج كل غضبها وحقدها عليه.
قبضوا عليها وكبلوها بقطع القماش الأبيض بينما كانت تشتم وتلعن وتبصق عليهم وتردد:
-بدي ألعن أبوكو كلكو ياكلاب ياملاعين ..والله غير إني أورجيكو؟
يأخذونها إلى غرفة جهاز الكهرباء ويوجهون لها صدمة كهربائية فتنهار بعد أن كانت ترفس بساقيها كالفرس الجامحة.
أما يحيى فيأخذونه إلى قسم الطوارئ ويضمدون جراحه ،ومن ثم يعيدونه إلى ساحة التنفس ،يجلس مأمون إلى جانبه مربتا على ظهره :
-لاباس عليك ياصاحبي..لاباس؟
لكن يحيى إبتسم وقال محدثا نفسه:
-والله إنكي نشميه ..بتعجبيني يابنت قريتي.
* * * * * * * * *
يسير "سرور"المجنون في شوارع القرية وأزقتها حزينا على فراق يحيى بينما دموعه تملأ خديه ،
وهو يردد:
-والله ياأهل قرية أم الملح بدكو حرق ..إنتو بدكو زلزال يدمركو ..إنتو مابدكو واحد نظيف مثل يحيى يحرركو من جهلكو لأنكو إتعودتو على الوساخة ..وإنتن يانسوان قرية أم الملح الضايعه..مابدكن إنكن إتكونن شريفات بالمره عمن جسامكن إتعودت على الوساخة ودايما بتحكحكن؟
ثم مسح دموعه وأنفه بواسطة كمه وقال :
-ياترى وين إنتي ياحبيبي يايحيى..وين ودوك ..ياترى بشوفك مره ثانيه وللا لا.
لقد كان يحيى يعطف على سرور دائما ولم يذكره يوما بأنه غير سوي أبدا ،وكان يعطيه حلوى الحلقوم والطعام، وكان سرور كلما رأى يحيى يجري إليه ليقبله ويجلس إلى جانبه ويحدثه.
وكان دائما ينطق بالحكمة .
أما سبب ماهو عليه أنه أصيب بالحمى عندما كان في العاشرة من عمره..ولأنه كان يرتجف من شدة الحمى غمرته أمه بالغطاء الثقيل فتأثر دماغه من ذلك ..فأصبح يوصف بالمجنون.
وكان دائما يضايق النساء ويكشف أسرارهن ويفضحهن،وعندما مر من جانب منزل أميمه أطل عليها من بين أعواد العريشة وأخذ يردد الأغنية البذيئة وهو يقصد أميمة بقوله:
-طن الباب ..طن الباب
................ أميمه... وسع الباب .....
فتنفجر النساء المارات بالضحك وهن يغطن وجوههن وأفواههن.
فتخرج أميمة لترميه بالحجارة ويهرب.
وكان كلما مر من جانب منزل إمرأة سيئة الخلق يهجوها بأغنية تراثية بذيئة الكلمات والمعاني.
* * * * * * * * *
بينما كان يحيى مستلقيا على سريره يمر به ثلاث رجال ضخمين وأحدهم يمسك بيده حقنه كبيرة جدا تحتوي على سائل أخضر اللون ،ويقول له:
-يله نام على ظهرك؟
يرد يحيى:
-ليش ..وشو هاي إلي معاكو؟
ثم قال الرجل آمرا:
-إبطحوه وثبتوه؟
وعندما فعلوا ماأمرهم به
قام بحقنه بواسطة السرنجه الكبيرة جدا مفرغا كل محتوياتها في جسده ومن ثم توجهوا إلى مأمون وحقنوه بسرنجه مثلها وغادروا ،
فشعر يحيى بارهاق شديد مصاحبا لصداع .
إقترب مأمون من يحيى وهو خائر القوى وقال له بأعياء شديد :
-لاباس عليك ياصاحبي..هذا..هذا ش..شيء عادي بعطوه لبعض الموجودين هونا؟
-طيب إيش هو ؟
صمت مأمون ولم يخبره بحقيقة الحقنه حتى لايضعف معنوياته ويهبط من عزمه.
* * * * * * * * *
تتغير أحوال فريال النفسية بحيث يصبح يحيى هذه المرة لايغيب أبدا عن خيالها ..فكانت تتخيله في كل مكان ،وتتمنى أن يعود الزمن إلى الوراء لتأخذه بين احضانها وتنظر في عينيه.
كانت فريال دائمة الحزن والبكاء على يحيى من تأنيب الضمير الذي صحي فجأة ولم يرحمها أبدا ..وقد تذكرت كم ظلمته في الوقت الذي كان يجب أن تكون هي نبع الحنان له،وهاهو الله يعاقبها بعقوق ابنها زكي.
كانت تتمنى رؤيته ولو لمرة واحدة فقط قبل موتها،لكن ذلك لن يحدث أبدا بعد أن إبيضت عيناها من شدة البكاء وإصابتها بمرض قاتل.
وأصبحت أمنيتها الوحيدة الآن هي أن تحتضنه وتشم رائحته.. وأن تسمع صوته.. وأن يغفر لها قبل موتها، سيما أنها بدأت تشعر بالاعياء الشديد.
وكانت دائما تتوسل إلى عليان زوج ابنتها سارة بأن يذهب إليه ليستعلم أخباره.
أخيرا يستجيب عليان لتوسلاتها ويذهب إلى المدينة ليأتي لها بأخباره.
* * * * * * * * *
بكت العجوز "رحيله" بشدة على فقدان يحيى وهي العجوز الحكيمة التي لم تبكي يوما ،حيث عاشت حياتها ساخرة من أهل الدنيا وجهلهم وفجورهم بل وإشراكهم.
بكت على يحيى الذي كان يزورها دائما ويقبل رأسها ويستمع إلى حكاياتها وفكاهاتها وحكمها وينتفع دائما بنصائحها،
ويأخذ دائما بنصائحها..ويستمتع وهو يراها تدخن على غليونها الطويل القصبة.
كذلك وهو يراها تشعل النار وتحمس حب البن بالمحماس ..ويستمتع بصوت مهباشها وهي تطحن القهوة وتغني ومن ثم تعدها وتسقيه منها.
وكان دائما يقول لها:
-والله إنكي إنتي الخير والبركة في القرية ياجده؟
وعندما علمت بمصيره بكت هذه المرة وهي لم تبكي يوما في حياتها، حتى عند إستشهاد جميع أولادها في المعركة بل أخذت تزغرد أثناء تشييعهم.
وكثيرا ماقالت له :
-واحد مثلك يايحيى مابنفع إنو يكون بقريه وسخه.. أهلها أنجاس..والله غير إنو الله يخسف الأرض بيهم ؟
لكن كان يحيى يرد عليها دائما:
الله ياجده مش رايح يخسف الأرض وهي بيها ناس أمثالكي ياجده ..الله مابخسفها وهي بيها ناس بستغفرو وبذكرو الله؟
دارت رحيله بالقرية وهي تتعكز على عصاها المصنوعة من غصن شجرة ،ومرت ببيت فريال وأطلت عليها من فوق الحائط وقالت لها:
-خلص هيك إفرحتي يانجسه ..إتريحتي ياجربى ياأم الزلم ..وحده هيك بتسوي بولدها..روحي الله يخزيكي يافريال..الله ..يخزيكي يافريال.
ومن الداخل يعلو صوت نشيج فريال.
* * * * * * * * *
بينما كانت دورية الشرطة تتعقب نابشي القبور وسارقي الذهب والآثار قرب الغابة،يرون كفايه ومحمود عندما كانوا يصطحبون الأطفال ويدخلون إلى الغابة في وقت المساء ..كانت الشمس قد أوشكت على المغيب ..وإرتفع صوت صراخ الأطفال من الخوف والجوع.
يجرون إلى مصدر الصوت ..يعثرون على الأطفال وهم وحدهم ..يسارعون بوضعهم في العربة ومن ثم يلاحقون رحيله وعشيقها محمود حتى يعثرون عليهما ويقبضون عليهما ،وتأكدوا بأنها أم للاولاد الثلاثه وقد تركتهم لتهرب مع عشيقها، فأنقضوا على محمود واوسعوه ضربا..وصفعا وركلا حتى أعييوه.
ومن ثم أخذوا يبصقون على وجه رحيله ويسمعونها افضع الشتائم بذاءة..وأقسى الكلمات الموجعة التي يجيدونها ،فقال قائدهم :
-لهاي الدرجه وصلت المحنه بيكي يا ......... بتتركي عيالكي الجهال فريسه للوحوش وبتنهزمي مع هذا الخنزير عشان إتكيفي حالكي يافاجرة..ول.. لهذه الدرجه ..طيب لويش خلفتيهم من الأول .
* * * * * * * * *
يمر مأمون بغادة وهو يشعر بالاعياء الشديد ،كذلك هي بسبب الحقن والصدمات الكهربائية المتكررة ،كانت تجلس وحدها كالعادة فيقول لها معاتبا:
-والله إنكي غلطانه ياغاده..وغلطانه كثير ..يحيى ماكان بدو إلكي ولقريتكو غير الخير ..أنا كنت حاكيلو عنكي ..أنا مابعرف ليش مابدكي إتصدقي إنا مش مجانين ..طالما إنكي صدقتي إنكي إنتي عاقله ليش ماتصدقي طيب إنا مش مجانين..ولا حتى أشرار ..لو إنو كان عندكي ضرة فهم كان عرفتي ليش سجنونا هونا وقاعدين بدمروا بأجسادنا وعقولنا شوي شوي؟
-......................... .
-إنتي ياغاده بس واحد إلي غدر بيكي وصار ببكي هبك .. لكن يحيى كل الناس غدرت بيه ..حتى أقرب الناس إله ..يحيى ياغاده ماشاف يوم سعيد في حياته ويمكن إنو جماله هو السبب؟
-......................... .
-بتعرفي ..إنتي ضعيفه ..أيوه وضعيفه كثير كمان ياغاده..ويحيى مابحب البنات الضعيفات ..الغبيات ..المهزوزات..أنا ويحيى رايحين نشرد من هونا لأنا مصممين على الهروب ..أما إنتي إلي خربتي كل إشي إذا مابدكي تطلعي خليكي هون ..ماشي خليكي هون ياغاده؟
يمر أحد الموظفين بيحيى ويطلب منه الذهاب معه إلى الإداره لأن له زيارة ،في البداية إعتقد يحيى بأن أمه هي التي زارته أو أخوته،لكن عندما ذهب رأى أمامه عليان بإبتسامه القبيحة ..إبتسامة النشوة والانتصار بل وأراد تذكيره بأنه أقوى منه، وأنه حضر لزيارته تلبية لطلب أمه ..وهو في الواقع حضر متشفيا به..ومتباهيا بانتصاراته المتتالية عليه،وأخيرا ليصدمه بما حدث لأمه.
وبالفعل أخبره بأن أمه قد فقدت بصرها وأنها أيضا مصابة بمرض خطير لاشفاء منه.
تركه يحيى كي لا يفرح أكثر برؤية دموعه ،وجرى عائدا إلى المتنفس بينما دموعه تنهمر بغزارة مبللة وجنتيه.
أما عليان فأبتسم بنشوة وأخرج من جيبه رزمة أوراق نقدية ودس في جيب كل موظف منهم ورقة من فئة الخمسة دنانير .
أما مأمون فعندما رآى يحيى ذهب إليه وعندما علم بمصابه ربت على ظهره مواسيا،
فتركه وحده قليلا ليسمح له بالبكاء منفسا عن نفسه وأخذ يتجول مبتعدا.
رأت غادة ذلك كله واقتربت من مأمون متسائلة:
-ل..ليش..يحيى ببكي ؟
-لاحول ولاقوة إلا بالله ..أمه ..أمه ياغاده بطلت إتشوف..ومعها هظاك المرض..شوفي قديش حزنان عليها مع إنه ماشاف منها غير الغدر وتحجر القلب والقسوة ..قديش الدنيا صعبه ياغاده؟
-طيب ..يحيى هو مجوز ؟
-لا مو مجوز ومابدو يجوز بنت من قريته لأنه بعتبرهن كلهن خواته وبدو يحميهن حتى لو إنه بفديهن بدمه؟
-يعني ..يمكن يكون بحب وحده من المحافظه ..أو من المدينه.
-لا هيك ولا هيك ياغاده ..هو حب بنت اسمها مريم وهو زغير وهي كمان حبته ..كانو عيال زغار بس..ماتت البنت؟
-ل..ليش ماتت ؟
-سبحان الله..صار معه معجزة ..مات يحيى..بعدين أعطته مريم روحها وماتت هي بداله من كثر ماهي أرواحهم متعلقه ببعضها ؟
وتحدث معجزة أخرى..وتتغير غادة فجأة ..وتظهر الأنثى التي بداخلها ..الأنثى التي فقدتها أياما وأشهرا..وليال طوال ..الأنثى التي فقدتها منذ أن تعرضت للغدر ..وأخيرا تنهمر دموعها ..ولأول مرة.
(يتبع...)
تيسيرالمغاصبه
٦-٦-٢٠٢٤
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق