القصة القصيرة .. ( غصن و عصفورة )
بدأ الشتاء يلوح بمنديله للطيور المهاجرة بأني قادم . و مع إِقترابه ، بدأت الطيور بمختلف أنواعها بالإِستعداد للغادرة الغابة الباردة . هذه الرحلة السنوية المعتاد عليها كل عام . و كأنها كر و فر ، الغابة الباردة تعج بأنواع مختلفة ، و الضجيج مرتفع . والسماء لاتكاد تخلو من الأجنحة القاصدة التي ترفرف بإتجاه الدفء . أغلب الأنواع غادرت بالفعل . و بقي القليل منهم يستعدون لتلك الرحلة المحفوفة بالمخاطر . كانت العصفورة الأم و بقيت العصافير ينتظرون الأمر من قائدهم الذي يقف من دون حراك على قمة التلة المطلة على الغابة و بصره كان مركزاً على نقطة محددة بذلك الأفق البعيد
الوقت يمضي والعصافير بدأت تتذمر من طول الإِنتظار و القائد مازال يقف بدون ان يتحرك . طارت العصفورة الأم لتحط بقربه . قالت له ما بك ياعزيزي ؟
لكنه لم يرد ، و كأنه لم يسمعها . كررت سؤالها عليه فنظر إِليه بنظرة لم ترها من قبل بعينيه و كأنه نظرة مودع من دون ان يفتح فاه . كررت سؤالها ، فأجابها ؟
أني أرى شيء ما ينتظرني بذلك الأفق ياعزيزتي . نظرت للأفق ، ثم قالت أنا لاارى شيء . إستدرك قائلاً :
لكني أرى .. إِنها رحلتي الأخيرة يارفيقة دربي . إبتسمت و بقلبها جمرة من نار و قالت ؟
دعك من هذه الوساوس ، الكل تقريباً غادر و بقينا نحن فقط
هيا ياعزيزي فالنبدأ الرحلة المعهودة لنحظة بفرصة جديدة لننجب جيلاً جديد . نصف هذه العصافير يحملون دماءك . هيا لطالما كنت قائدنا و مخلصنا ، فالنرحل بإِتجاه الدفء
إِبتسم .. وهز برأسه و طارا معاً ليتبعهم الكل نحو الشمس .
وبعد عدة أيام من الطيران ، و على حين غزة فاجئتهم وحوش السماء و كواسرها . دب الرعب بقلوبهم ، نظر القائد لشريكته و قال ؟
ألم أقل لك بأني أرى شيء ما بالأفق . ألم أقل لك هذه رحلتي الأخيرة . إستلمي قيادة المجموعة و سأخذ معي مجموعة من العصافير الشابة و القوية لنشد إِنتباه الكواسر لتنجو بأنفسكم لاتنظري للخلف و لاتتوقفي مهما حدث . و إِن نجونا سنتبعكم
ياعزيزتي .. الوداع . قالت لاتقل الوداع بل الى اللقاء . إِنفصل هو و من معه عن السرب . لتبدأ معركة البقاء ، كانت المعركة شرسة جداً و القائد و من معه كانوا شجعان . القتال مستمر و السرب إِبتعد بما يكفي . لكن الأم كانت بين الحين تلتف لترى
مالذي سيؤل عليه الوضع . لكنها بآخر إِلتفاتة لم تجد أي أحد
أدمعت عيناها ، لكنها تماسكت و اكملت رحلتها لتنقذ البقية
و بعد عدة أيام من الطيران المضني تمكنت من ان تبلغ مقصدها . دخلت الغابة الدافئة هي و كل من معها . الكل بدأ يبحث عن مكان ليبني له عشاً . إِلا هي قطعت الغابة لتجد نفسها فوق أرضٍ مفتوحة . و على مسافة ليست بالبعيدة عن الغابة هناك شجرة مسنة و كبيرة تقف منفردة بوسط حقل كبير . حطت على أكبر غصن . كانت متعبة جداً و حزينة على فقد رفيق عمرها . و رغم التعب لابد ان تبني لها عشاً لها . بنت العش بصعوبة بالغة . و شدة تعبها نامت نوماً عميق .
في الصباح الباكر ، إِستيقظت على صوت العصافير بالغابة
كانت الغابة تعج بالحياة إستعداداً لإِستقبال الجيل الجديد
إِلا بطلة قصتنا كانت يائسة و حزينة . و ذات صباح إمتلئت الغابة بأصوات الجيل الجديد . شعرت بإِرتياح لأنها نجحت بأن تصل بهم ليولد هذا الجيل . و إِن رحيل رفيق دربها لم يذهب سدى . بدأت الصغار يكبرون ، لكنهم بحاجة للوقت ليتمكنوا من الطيران . الخريف بات على الأبواب ، والأم لابد ان تهيئ نفسها والمجموعة على المغادرة . لكن مازال أمامهم وقت كافي لتكبر الصغار . تسارعت الأيام بمرورها و بدأ الجو يتغير . والأم تكاد تعلن بدأ الرحلة . جن جنون الليل و جنت معه ريح الخريف الصفراء التي جاءت قبل موعدها لتبعثر كل شيء . حطمت الأغصان و إِقتلعت كل الأعشاش بما فيها لتحملها معها للمجهول . إِرتعبت الأم من المنظر ، كان صوت الموت مدوياً . عجزت عن التفكير و التصرف . كانت خائفة جداً هنا ؟
كلمتها الشجرة قائلة لاتخافي أنا سأحميك . بهتت الأم !
كيف لشجرة لاتملك لسان ان تتكلم . أمرت الشجرة بأن تلف عشها على شكل دوائر و ان تبني فوق رأسهاً سقفاً ليحميها
فعلت الأغصان ما طلب منها . الأم الان محمية ، لكن مصير البقية مجهول . ضربت الريح بعنف الشجرة المسنة . لكن جذورها كانت متأصلة بأرضها . هزتها بقوة كبيرة ، و صوت
الريح الصفراء كانت تقشعر منه الأبدان . و بعد عدة ساعات من الرعب المستمر . شق سيف الفجر عباءة الليل بسيفه الوضاء . صمت غريب تسيد المكان . أمرت الشجرة أغصانها لتحرر الأم بعد ان أنتهت العاصفة . كان المنظر مرعب أجساد هنا و هناك . أشجار محطمة و أعشاش ملقاة على الأرض هنا و هناك . نظرت للشجرة بنظرة إِستفهام . إِبتسمت الأخيرة و قالت ؟
أنا لست جماد ، بداخلي روح طيبة و قلب نابض . أنا أشعر بالأخرين . و أنا سعيدة بوجودك ياعزيزتي . صمتت الأم
تنهدت بعمق .. و قالت ؟
أنت وطني .. نعم أنت بت وطني
من وجد الأمن والأمان ، و شعر بالحب و الإِستقرار كان ذلك وطنه . والوطن ليس فقط أرض . قد يكون شخص تشعر مع بالسلام الداخلي . و قد يكون بيتا ، او اسرة محبة .
هنا .. نهضت من سريرها أمنه مذعورة . !
كان جسدها يرتعد بقوة ، و العرق يكاد يغرقها . بالكاد تتنفس
جلست على الكرسي القريب من النافذة . بعد ان هدأت حمدت الله و شكرته على ان ذلك لم يكن أكثر من ( حلم )
بقيت مكانها ، لم تتفوه بكلمة واحدة . كانت دقائق تفكير عميق . عادت بذاكرتها للوراء . نهضت من مكانها ، أخذت جوالها .. وإِتصلت بذلك الخمسيني الذي لطالما عاملها بود و حنان . فتج المحادثة .. الو
قالت له ؟
أنت وطني ياعزيزي
نعم .. بت لي وطن ، أنا موافقة على الزواج بك .
تمت
الكاتب
جاسم آل مهيه
7/10/2024
العراق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق