الأحد، 1 ديسمبر 2024

نص نثري تحت عنوان{{الغياب حكاية الزمان والمكان}} بقلم الكاتبة الأردنية القديرة الأستاذة{{رجاء عبدالهادي}}


الغياب حكاية الزمان والمكان 
حينَ يُطلُّ الغيابُ علينا، يَحملُ معهُ ظلالًا من الذِّكرياتِ التي كُنَّا نَحسبُها خالدةً في قلوبِنا. تلكَ الكلماتُ التي تَبعثرتْ على أَطرافِ الأحاديثِ، وتِلكَ الابتساماتُ التي خُبِّئتْ بينَ سُكونِ اللحظاتِ، وتلكَ اللِّقاءاتُ التي اعتقدنا أنها لَن تنتهي. كيفَ انتهتْ؟ كيفَ تَحوَّلتْ من نورٍ يُضيءُ أيامَنا إلى ذكرى تُثقِلُ أرواحَنا؟ 

في كُلِّ مرةٍ نفتقدُ فيها وجهًا أَليفًا، تَتسلَّلُ إلى قلوبِنا مشاهدُ من الماضي. نُحاولُ أنْ نُمسِكَ بها، أنْ نُعيدَ رسمَها في أذهانِنا، لكنَّ الغيابَ كَسحابةٍ عابرةٍ، يَمسحُ كُلَّ الألوانِ، ويُبقينا معَ أطيافٍ باهِتةٍ مِن أحلامٍ كُنَّا نَعيشُها يومًا. 

كَم مِن وعدٍ قُطِع على ناصيةِ الحياةِ بالبقاء؟ وعدٍ بأنَّ الزَّمنَ لن يَسرقَنا، وأنَّ الحُلمَ سَيظلُّ عَصِيًّا على الانكسار. تلكَ الوعودُ التي نَطقَتها الشفاهُ بصدقٍ، وتَسللتْ إلى القلوبِ كنسيمٍ دافئٍ، ضاعتْ في دروبِ الغياب. لَم تَستطعْ أنْ تُقاومَ العاصفةَ التي اجتاحتْنا، فتبَعثرتْ كأوراقٍ ذابلةٍ في مَهبِّ الريح. 

ألا تَذكر  ذلكَ المكانَ الذي جمعَنا؟ كانتِ السماءُ فيهِ أكثرَ زرقةً، والوقتُ فيهِ أكثرَ بطئًا، كأنَّ الزمانَ نفسهُ أَبى أنْ يسرِقَنا من تلكَ اللحظات. واليومَ، نَبحثُ عن تلكَ النوافذِ التي كُنَّا نَطُلُّ منها على الحياةِ، فلا نَجِدُ سوى أَبوابٍ مُوصَدةٍ يَسكُنها الغياب. 

اليومَ، نَجلسُ على أعتابِ الغيابِ نَستعيدُ الذكرياتِ. نُفتِّشُ عن صدى تلكَ العهودِ في زوايا الذاكرة، فلا نَجِدُ سوى بقايا هَمْساتٍ تُخبرُنا أنَّ الغيابَ لا يَسرقُ الأرواحَ فقط، بل يَسرقُ الأمانيَ والمُستقبلَ أيضًا. 

الغيابُ، رغمَ قسوتِه، يُذكِّرُنا أنَّ الحياةَ مليئةٌ بالفُرصِ لِلحبِّ وللعَطاءِ. فهوَ رسالةٌ تقولُ لنا: لا تَدعوا لحظاتِكم تمرُّ دونَ أنْ تُمسِكوا بها جيدًا، فإنَّها قد تُصبحُ يومًا ذِكرى تُؤلِمُكم، أو ربما تُبهِجُكم في الغيابِ. 

رجاء عبدالهادي
الأردن

 

ليست هناك تعليقات: