- الريحُ تعوي -
أعدّي مشهدنا الأخير
اجمعي فتات الضوء المبعثر على عتبات الذاكرة
وارسمي لنا ظلاً لا يخذلنا حين تشتد الوحشة
الريح تعوي في دروب المدينة،
تحمل نداءاتٍ غرقى في زحام الوقت،
وأنا أتنفسكِ كلما ضاق الليل،
كلما تمدد الصمت على المقاعد الخالية،
كلما تساقطت ملامحنا من المرايا القديمة.
سيدتي،
إن كان لا بد من الرحيل، فلتتركي لي صوتكِ
يرنُّ في الأفق كترتيلةٍ أخيرة
ولتتركي لي يديكِ،
أعلقها كقمرٍ على نوافذ الغياب،
كي لا يضيع الطريق.
سيدتي،
إن كان لا بد للرحيل أن يكتمل، فامنحي الليل عطركِ الأخير
دعيه يتغلغل في الأزقة، في الدفاتر المهملة،
في شقوق الجدران التي خبأت أسرارنا ذات حلم.
امنحي الغياب وجهًا لا يشبهكِ
وصوتًا لا يشبه صوتكِ،
كي لا يخدعني كل صدى،
وكي لا تلاحقني ملامحكِ
في زحمة المارة والظلال المنكسرة.
ها هي المدينة ترتدي صخبها من جديد،
تغسل أثر خطواتنا من أرصفتها،
كأننا لم نمر، كأننا لم نكن.
لكنني أعرف،
أن ثمة نجمة ستظل تلمع في المكان الذي عبرناه،
وثمة أغنية،
كلما صدح لحنها،
أتنفسكِ من جديد.
والآن، ها هو الليل يطوي سجاده الأسود على عجل،
يخفي بين خيوطه أثر أنفاسكِ المتناثرة في الأفق،
كأنكِ كنتِ غيمةً مرَّت فوق قلبي، وماطرت.
ها هي المدينة تستيقظ،
تتثاءب أنوارها على وجوهٍ لا تعرفنا،
تغلق الأبواب التي كادت تبوح بأسمائنا،
وحدها الريح تلهو بما تبقى من حروفنا،
تبعثرها في الأزقة كأوراق شجرٍ نسيها الخريف.
سيدتي،
حين يعبرني الحنين في ساعة متأخرة،
سأترك نافذتي مشرعةً للسماء،
علَّ القمر يلمح وجهكِ ذات صدفة،
ويرسله إليَّ،
كما يفعل العشاق الذين ضلوا الطريق.
صفوح صادق-فلسطين
١-٢-٢٠٢٥.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق