من سلسلة " أصوات في العتمة " للكاتب : إدريس أبورزق
الحلقة الثامنة : الأشخاص الذين لا يشيخون
كانت الساعة تشير إلى الثامنة مساءً عندما وصلتُ إلى القرية لأول مرة. مكان صغير مهجور بين الجبال، بالكاد تراه على الخريطة، لكنه بدا وكأنه يخبئ شيئًا غريبًا. جئتُ بناءً على دعوة وصلتني بالبريد، موقعة من شخص لا أعرفه:
"تعال إلى قرية كافانا، سنخبرك بما تحتاج أن تعرفه."
ما شدني إلى الرسالة لم يكن محتواها الغامض فحسب، بل أيضًا الورقة ذاتها. كانت قديمة، رائحتها تشبه الكتب التي تُركت لعقود في مكتبات مغلقة.
عندما وصلت، وجدت القرية غارقة في الهدوء. المنازل كانت صغيرة، مبنية من الحجر، وكأنها لم تُمس منذ قرون. الشوارع خالية تمامًا، إلا من بضع قطط تتسلل بين الأزقة. شعرت بشيء غير طبيعي في الهواء، كأن الزمن هنا يسير بوتيرة مختلفة.
كنت على وشك المغادرة عندما ظهر رجل فجأة. كان يرتدي ملابس قديمة الطراز، أشبه بتلك التي كان يرتديها الناس في القرن التاسع عشر. نظر إليّ بابتسامة خفيفة وقال:
"أهلاً بك. كنا ننتظرك."
ارتبكت، لكنني تبعته. قادني إلى منزل كبير في طرف القرية. عندما دخلت، وجدت مجموعة من الناس يجلسون حول طاولة طويلة. كانوا جميعًا أنيقين بشكل غير عادي، لكن أكثر ما لفت انتباهي هو وجوههم.
لم يكن هناك أي أثر للعمر. لا تجاعيد، لا شيب. ملامحهم بدت كأنها مجمدة في لحظة مثالية، رغم أن أعينهم كانت تحمل نظرات مثقلة بقرون من المعرفة.
"من أنتم؟" سألت بصوت متردد.
نهضت امرأة كانت تجلس في رأس الطاولة. شعرها الأسود الطويل كان يلمع كحرير، وعيناها الزرقاوان بدتا كبحر عميق. قالت بصوت ناعم:
"نحن من اختارهم الزمن. نحن الذين توقف عندنا."
لم أفهم. حاولت أن أستوعب كلماتها، لكنها أكملت:
"كل منا كان في لحظة فارقة في حياته عندما حدث شيء غير متوقع. حادث، قرار مصيري، خسارة أو نجاة. الزمن اختارنا. منذ ذلك الحين، توقفنا عن التقدم. لا نشيخ، لا نموت... لكننا لا نستطيع المغادرة."
شعرت بقشعريرة تسري في جسدي. "لكن لماذا؟ كيف يحدث هذا؟"
قالت بصوت هادئ:
"لا أحد يعرف. لكنه ليس هبة كما تظن. إنه سجن. نحن عالقون هنا، في هذه القرية، منذ قرون. كل من يزور هذا المكان يشعر بثقل غريب... لأنه المكان الذي توقف فيه الزمن."
تذكرت فجأة أنني شعرت بنفس الشعور عندما وصلت. كأن شيئًا كان يضغط على روحي. لكنهم كانوا مختلفين. كانوا مثاليين، بلا عيوب، وكأنهم منحوتات حية.
"لماذا أنا هنا؟" سألت.
ابتسم الرجل الذي استقبلني لأول مرة. "لأن الزمن قد يختارك أيضًا. رأينا رسائل منه في أحلامنا، يقول إنك قد تكون التالي."
صُدمت. "لكنني لا أريد أن أكون هنا... لا أريد أن أعيش إلى الأبد."
ضحك بصوت منخفض، وقال:
"ليس الأمر بيدك."
في تلك اللحظة، شعرت بشيء ثقيل يسقط على كتفي. وكأن الزمن نفسه قد أحاط بي، يثقلني، يحاصرني. حاولت أن أخرج من المنزل، لكن الطريق الذي دخلت منه كان قد اختفى. عندما نظرت إلى الوراء، كانوا جميعهم يراقبونني، بنظرات كأنها تحذرني.
في تلك الليلة، جلست على أحد مقاعد القرية، أنظر إلى السماء التي بدت وكأنها لا تتحرك. لم يعد بإمكاني الهروب. بدأت أفكر: هل الزمن اختارني بالفعل؟ أم أنني أصبحت ضحية فضولي الذي قادني إلى هذا المكان؟
وهكذا، بدأت أدرك أنني قد أعيش معهم إلى الأبد... في قرية لا يشيب فيها أحد، لكن أيضًا لا يستطيع أحد المغادرة.
لأن بعض الأسرار ليست سوى سجون مغلفة بالغموض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق