صورة و ذكرى
من العادات التي تروق لي أن أستيقظ مبكرا... قبل الفجر ، و قبل أن تستيقظ العصافير من نومها... أفتح نافذة غرفة نومي لأستنشق أرق ما يجود به الله علينا من النسمات الفجرية العليلة ثم أستمتع بانطلاق سمفونية العصافير بألحانها الطربة الشادية و بلديتي الطيبة تزخر بعدد كثير منها و هنا عادت بي ذاكرتي إلى لحظات جميلة في حديقتي الصغيرة الغناء... كان فيها محدثي أحد الأصدقاء الذي طلبت منه مرافقتي إلى حديقتي الصغيرة التي زرعت فيها أندر الأشجار و أجمل الورود و التي استأنستني و ألفت مودتي رغم أنها قدمت إلي كهدايا من مواطن بعيدة ؛ من بلاد الأراضي المنخفضة ، من فرنسا و من الولايات المتحدة... كان صديقي مندهشا بما رأته عينه من الأشجار النادرة و الورود ثم انتبه إلى شيء ما و سأل: بالله عليك صديقي لماذا تكثر من غرس الأشجار رغم مساحة حديقتك الصغيرة ؟؟؟!!!.
لم أفكر في سؤال صديقي و أجبته على عجل : أكثر من غرس الأشجار حتى تعود إلى حديقتي العصافير !!!
ابتسم صديقي ثم أردف قائلا : أقرأت شيئا عن حياة الأديبة الفلسطينية فدوى طوقان ؟؟؟!!!
فأجبته : كلا لم أقرأ.
ابتسم ثانية و قال:
صديقي أنت تعيش زمنا غير زماننا و تشعر بما لا يشعر به غيرك... أنت حقا قادم إلينا من زمن جميل!!!
صمت صديقي برهة ثم قال: عندما عادت فدوى طوقان من الولايات المتحدة الأمريكية ؛ اشترت ضيعة و طلبت من ابن أختها أن يكثر لها غراسة الأشجار... فسألها خالتي لماذا ؟؟؟!!!
فأجابته قائلة : حتى تعود إلى حديقتي العصافير!!!
سافرت بذاكرتي إلى بلدتي الطيبة و إلى صديقي و ما زلت قابعا أمام نافذتي أستمتع بلحظات الفجر و نسائمه العليلة و أستمتع بزقزقة العصافير منتظرا شروق الشمس لتحمل إلينا في ثنايا أشعتها يوما جميلا... كنت أشعر أن هذا اليوم سيكون يوما استثنائيا... و كنت به فرحا سعيدا و قد انتابني شعور ما لم أعرف كنهه!!!.
لم تمض إلا لحظات حتى رن جرس هاتفي ؛ فتحت على المكالمة فإذا بي أسمع صوتا أعادني إلى الأيام الخوالي حيث كان التعليم و العلم و الأخلاق مطالب عزيزة على كل منا. صوت أعادني إلى زمن المحبة و الابتسامة... زمن الوفاء و القيم... لقد سافرت في لحظات إلى جيل الاستقامة و المبادئ حتى كدت ضياع المكالمة... و ما زالت نغمات صوته تعزف عن الماضي أيامه الجميلة... خفت أن يقطع المتصل المكالمة فبادرته مجيبا : آلو... و لست في حاجة لأن أعرف صاحب الصوت لأنه سكن مسامعي و قلبي و وجداني مذ عشرات السنين ...
قال فرحا: مرحبا أستاذ ، كيف أحوالك... لم أتمالك نفسي... سالت مدامعي و فاضت عيناي... هكذا أنا لا أنتظر هطول المطر حتى لا يرى الآخرون دموعي و لا يهمني من أمرهم شيء ...
ثم همس في أذني همسا: لم يتبق لي إلا أيام قليلة ثم أعود إلى باريس ، أرغب في لقائك اليوم الساعة العاشرة بالواجهة البحرية ...
لم يبق إلا دقائق على الموعد... تناولت فطوري على عجل و أجلت قهوتي إلى حين لأن الارتشاف معه شكل ثان... خرجت من البيت و قلبي يطير فرحا للقاء
يتبع...
مدينة وهران
الأحد 09/02/2025
الساعة 09.22 صباحا
الأستاذ عبد الحكيم فارح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق