الجمعة، 14 فبراير 2025

ج(السادس) من قصة {{أصوات في العتمة}} بقلم الكاتب القاصّ المغربي القدير الأستاذ{{إدريس أبورزق}}


من سلسلة " أصوات في العتمة " للكاتب : إدريس أبورزق 

الحلقة السادسة : السر الذي دفن معي

كان الكل واقفًا حول القبر، وجوه حزينة، عيون دامعة، همسات خافتة عن الرحيل والفقد. وقفوا يودعونه، يذكرون طيبته، ابتسامته الهادئة، حياته التي ظنوا أنهم عرفوها جيدًا. لكنه وحده، وهو يرقد هناك، كان يعرف الحقيقة التي لم يعرفها أحد.

حمل سره معه إلى القبر، كما كان يخطط دائمًا. لا رسائل، لا مذكرات، لا أدلة يمكن أن تقود إلى الحقيقة. لقد عاش حياته كما يريدها الآخرون أن تكون، رجلًا بلا أخطاء تُذكر، بلا ماضٍ غامض، بلا ظلال تلاحقه. لكن داخله كان هناك شيء آخر، شيء لا يمكن أن يُقال، ولا يمكن أن يُكشف.

لو أنهم عرفوا، لما وقفوا هنا بهذه الطمأنينة. لو أنهم عرفوا، لتغيرت حياتهم كلها.

ابنه كان يقف هناك، حزينًا، لكنه مطمئن لأنه يظن أنه عرف والده كما يجب. زوجته كانت تبكي، لكنها واثقة من أن الرجل الذي عاش بجانبها لم يكن يخفي عنها شيئًا. أصدقاؤه كانوا يتحدثون عن نزاهته، عن كلماته الصادقة، عن قصصه التي لم تحمل يومًا شائبة شك.

لكنهم لم يعرفوا.

لم يعرفوا عن تلك الليلة منذ سنوات، حين قرر أن يتخذ قرارًا واحدًا غير حياته للأبد. لم يعرفوا عن ذلك الاسم الذي كان يطارده في أحلامه، عن تلك الجريمة التي لم يكتشفها أحد، عن ذلك الخطأ الذي أخفاه حتى عن نفسه. لم يعرفوا عن الشخص الذي دفنه في ذاكرته، كما يدفنونه الآن في الأرض.

وحين أهيلت عليه أول حفنة تراب، ابتلع السر ظلام القبر، وظل العالم كما هو، يصدق القصة التي لم تكن حقيقية أبدًا. 

ليست هناك تعليقات: