---
"غُرْبَةُ فِكْرٍ"
على حافةِ العقلِ المُتَهالِكِ بظلالٍ متداخلة،
حيثُ تنبتُ الأفكارُ كأشجارٍ عاريةٍ في صقيعِ السؤال،
هناك، حيثُ المنطقُ يشحذُ سكاكينَهُ على حوافِّ الشك،
وحيثُ اليقينُ محضُ دُخانٍ يتصاعدُ من نيرانِ الإدراكِ المُحترق.
في متاهاتِ الذاتِ المُبعثرةِ بين زوايا الدهشة،
يرتطمُ الوعيُ بجدرانِ اللاجدوى حتى ينزفَ المعنى،
يتسكعُ المنطقُ في أزقةِ الحقيقةِ المهجورة،
يتمايلُ كعجوزٍ أضاعَ خرائطَهُ في صحاري المجهول.
الأفكارُ طيورٌ مهاجرةٌ صوبَ غروبٍ لا يجيء،
تتلاشى في فضاءِ العقلِ كنجومٍ تبتلعُها أفواهُ الثقوبِ السوداء،
تلتفُّ حولَ ذاتِها كأفعى تلدغُ ذيلَها في دائرةِ العبث،
تتمرغُ في وحلِ الاحتمالاتِ كأنها تبحثُ عن مرفأِ المستحيل.
كلُّ فكرةٍ ظِل لكابوسٍ لم يُولدْ بعد،
كلُّ يقينٍ مرايا تتكسرُ على وقعِ الخُطى الحائرة،
كلُّ حُجَّةٍ حبلٌ مشدودٌ فوقَ هاويةٍ بلا قرار،
وكلُّ حروفِ اللغةِ مجردُ رمادٍ لحرائقَ قديمة.
ما الفكرُ إلا سجينٌ في قفصِ التأويل،
مطرودٌ من نعيمِ الوضوح،
منفيٌّ في صحاري اللامعنى،
يجرُّ خيبتَهُ كمتصوفٍ أضاعَ طريقَهُ بين نيرانِ الفلسفة.
غربةُ الفكرِ أن تعبرَ البحرَ وأنتَ عالقٌ في سرابِ الشاطئ،
أن تزرعَ المعنى في صخورِ الاحتمال،
أن تسقيَ الحكمةَ بماءِ التناقض،
أن تلمسَ الحقيقةَ فتتلاشى بينَ أصابعِكَ كسَرابٍ مُحترق.
بقلم دنيا محمد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق