"انتصارُ الدمِ على السيفِ"
يَسْقُطُ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ المُرْتَعِشَةِ،
يَنْظُرُ إلى حَدِّهِ فَيَرى فِيهِ
ظِلًّا غَرِيبًا لا يُشْبِهُهُ.
يَتَراجَعُ خُطْوَةً، يَتَساءَلُ:
هَلِ السَّيْفُ كانَ يَوْمًا جُزْءًا مِنْهُ،
أَمْ كانَ وَهْمًا حَمَلَهُ
كَذِئْبٍ يُطارِدُ صَدَى عُوائِهِ؟
مِنَ الدَّمِ المسْفوكِ تَنْبُتُ أَجْنِحَةٌ
مَجْروحَةٌ تُحاوِلُ الطَّيَران،
وَلا تَسْقُطُ.
مِنَ الجُرْحِ يَخْرُجُ ضَوْءٌ
لا يُشْبِهُ وَهَجَ الحَديدِ
حِينَ يَقْتَاتُ عَلى العُرُوقِ.
يَتَحَسَّسُ صَدْرَهُ،
يَبْحَثُ عَنْ انتِصارِه،
فَيَجِدُ فِي الدَّاخِلِ
صَمتًا ثَقِيلًا،
وَفِي الهَوَاءِ
رائِحَةَ الرَّمادِ.
مِنَ الرَّمادِ يَصْعَدُ وَجْهٌ
لَمْ يُمْحَ مِنَ الذَّاكِرَةِ
رَغْمَ سِياطِ النِّسْيانِ،
وَجْهٌ لَمْ يَسْتَطِعِ السَّيْفُ
أَنْ يَهْزِمَ مَلَامِحَهُ
رَغْمَ كُلِّ مَا ناوَشَتْهُ النِّصال.
يَرى فِي عَيْنَيْهِ مِرْآةً صَدِئَةً
تَعْكِسُ وَجْهًا لا يَعْرِفُهُ،
كَانَ يَظُنُّهُ مُنْتَصِرًا،
لَكِنَّ الدَّمَ المُراوِغَ
يَهْمِسُ فِي أُذُنِهِ:
إِنَّ النَّصْرَ لَيْسَ لِمَنْ يَقْطَعُ،
بَلْ لِمَنْ يَبْقَى.
لِمَنْ تَسيلُ رُوحُهُ عَلَى الأَرْضِ
فَتُزْهِرُ الأَيَّامُ بَعْدَهُ حُرَّةً،
لِمَنْ لَا يَخْشى
أَنْ يَكونَ جُرْحُهُ طَرِيقًا لا يَضِيعُ.
وَحِينَ تَشْرُقُ شَمْسٌ جَدِيدَةٌ،
يَكْتَشِفُ أَنَّ ظِلَّهُ لَمْ يَعُدْ لَهُ،
أَنَّ دَمَهُ صارَ صَوْتًا،
وَأَنَّ السَّيْفَ الَّذي ظَنَّهُ مَجْدًا
لَمْ يَكُنْ سِوَى صَدًى
يَتَبَدَّدُ فِي الرِّيحِ.
بقلم دنيا محمد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق