*----------{ التّدهور المحيّر }------------*
يمسي ويصبح بنو الإنسان على الألم والتعـبِ
الكل يتوجّع من الكل والكل لا يرضى بالعجبِ
الكل بالجمـيع يسخر وهو فاقد الحـياء والأدبِ
فما أحوجـنا إلى الهروب إلى مكان بلا صخبِ
وبلا نفـاق ولا جحود فقد مللنا ألاعـيب التقلّبِ
فالبعض بيننا تائه وفي أعماقه يحـيا كالمغتربِ
ويظل مهتز الإرادة هشا مهـما نال من الرتـبِ
فالخـبرة تأتي عبر الممارسة وعمـق التجاربِ
وقـوة الشخصية لا تستقـيم بالتخوف والتهيّـبِ
فالتردد يضعف العزم ويعزز الرغبة بالتسيّـبِ
ويشجّـع على التراخي والمماطلة دونما سبـبِ
وإذا تكرر التأجيل تزول نشوة التعلم والتدرّبِ
ولا يخـتلف الوضع بين الجهلة أصلا والنخـبِ
فما نعانيه من تخـلف يثير أشد الألم والتعجّـبِ
ونحتاج لوصفه عشرات المجلدات من الكـتبِ
وإذا فـتشت حولك بحثا عن الأصيل والمهذّبِ
فلا أخالك تجد غير الشاكي والباكي والمعذّبِ
وذوي الحاجة إلى التأهـيل والتهذيب والتـأدّبِ
وربما تقـتنع أننا نعيش في مجتمع جدّ معطّـبِ
ولا يمتلك سوى وجدان متكلس وفكر مُنضّـبِ
فلا شك أن الذكاء قد تحوّل إلى خبث مخصّبِ
والسلوك قد اتسم بالنفـاق المـزوّق والموضّبِ
فقد تتفاجـأ بحدة العناد وقلة الحـياء والتعصّبِ
وتُصدم بقـوة المخـيال والتحليق فوق السحـبِ
ولا تغيب آفة الغرور والتكبّر وأساليب الكذبِ
ولا اعـتبار للنزاهة والكفاءة في نيل المنصبِ
ولا أثر لقـيم الحلال والحرام من أجل التكسّبِ
والقصد أن المصالح تـتحقق بالضمير المغيّبِ
ولا موجب لاحترام النظام والتحذّر والتحسّبِ
فالتسيّب قد أصاب كل سلوك وعمل ومضربِ
والبشر في تـنافس محـتدّ على الغش والنصبِ
ولا حدود للتـنافق والتناحر والتكالب المـلتهبِ
وأتحداك لو تجد من جحـيم الهـموم أي مهربِ
وألا ترانا شركاء في تحمل التحسّر والغضبِ
فنحن شركاء في الشقاء بالضرورة والغـصبِ
ولا أحد محميّ وبمنأى عن المهازل والشغـبِ
فالعالم صار قرية صغـيرة من البؤس المتعـبِ
هذا يشعل النار وهذا يسرع بالثقـاب والحطبِ
والجميع ضحايا والكل شريك في اتقـاد اللهبِ
ولا تسأل عن حلول لعصر ساخن ومضطربِ
والجمـيع مبحر في محيط بلا مجذاف ومركبِ
فيزداد انبهارا وانجرارا إلى مستنقع الترسّـبِ
ولا فائدة إلا مزيد التفاهة والانحلال المرعـبِ
ولا بد أن نقـرّ بأننا نسير نحو انحطاط مركّبِ
بحكم تـنوع الأسباب وشدة التطرف والتصلّبِ
ولا يخفى ما نشهد من تدهور محـيّر ومرهـبِ
*-----{ بقلم الهادي المثلوثي / تونس }-----*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق