الاثنين، 12 مايو 2025

قصيدة تحت عنوان{{لِأَنِّي مِنَ الثَّرَى إِنْسَان}} بقلم الشاعر التونسي القدير الأستاذ{{سميربن التبريزي الحفصاوي}}


*لِأَنِّي مِنَ الثَّرَى إِنْسَان...

عَشِقْتُ الْأَرْضَ...
لِأَنِّي مِنَ الثَّرَى إِنْسَان...
وَخُلِقْتُ مِنْ سُلَالَةِ طِينٍ
وَخَفَقَان...
لِأَنَّ هِمَّتِي
بِشَرَفِ الْأَرْضِ قَدِ امْتَزَجَتْ
وَكَرِهْتُ نِفَاقَ الْإِنْسِ
وَحِيَلَ الْجَان
عَشِقْتُ طُهْرَ أَدِيمِ الْأَرْضِ
صَارَتْ رُوحِي مِنْ طِيبِ
الطِّينِ...
مُرْهَفَةً جِدًّا كَالْهَمْسِ...
مَيْسُ الْغُصْنِ يُدَاعِبُهَا...
وَقَطْفُ الزَّهْرِ يُوجِعُهَا
تَشَكَّلْتُ وَأَصْبَحْتُ
فِي جَوْفِ النَّايِ أُغْنِيَةً
تَرْسُمُ الْغُرْبَةَ وَالْحِرْمَانَ
فِي كَفِّ الرِّيحِ أَعْزِفُهَا....
وَاللَّيْلُ الْمُعْتِمُ غَرَّبَنِي
وَزَرَعَ فِي نَبْضِي مِنَ الْأَعْمَاقِ
أَلْوَانَ الْأَشْجَانِ وَالْأَحْزَان...
أَوْحَشَنِي وَسَرَقَ النُّورَ مِنْ عَيْنِي
سَرَقَ مِنِّي جَمِيعَ الْأَلْوَان
فَتَدَثَّرْتُ بِسَوَادِ ظُلْمَتِهِ
وَبِقَتَامَةِ أَغْوَارِ الْوِجْدَان...
شَكَوْتُ لِسُكُونِهِ الْأَسْوَدِ آلامِي
يَا لَيْلُ عَلِّمْنِي كَيْفَ أَكُونُ غَرِيبًا
وَفِي غُرْبَتِي عَلِّمْنِي الْإِمْعَان
يَا لَيْلُ جِئْنَا وَرَحَلْنَا أَغْرَابًا
وَسَكَنَّا بَيْتَ الْأَحْزَان
عَلِّمْنِي يَا لَيْلُ أُغَنِّي لِلْوَحْشَةِ وَحِيدًا...
عَلِّمْنِي كَيْفَ تَكُونُ الْأَلْحَان
عَلِّمْنِي أُغْنِيَةً لِلْغُرْبَةِ
أُغْنِيَةً لِلشَّوْقِ وَالصَّمْتِ
فَغُرْبٌ نَحْنُ الْإِثْنَان...
عَلِّمْنِي كَيْفَ يُشْرِقُ الصُّبْحُ
مِنْ عَيْنِي أَمَلًا...
وَصَوِّرْ لِلْفَجْرِ فِي عَيْنِي أَلْوَانًا
خُيُوطًا مِنْ نُورٍ أَرْقُبُهَا...
فَإِنْ بَكَتْ سَحَابَةٌ فِي الْأُفُقِ
أَسْمَعُهَا...
وَأَنْزِلُ بِالْخَيْرِ غَيْثًا مَعَ الْمَطَرِ
وَأَنَامُ مَعَكَ يَا لَيْلُ،
فِي الْجَبَلِ، وَالسَّهْلِ...
وَفِي جَوْفِ الْوَادِي وَالْوَهْدِ...
كَرِهْتُ كُلَّ لُغَاةِ الدُّنْيَا...
وَفَمِي أَضْحَى صَوْتَ نَايٍ
وَعَزْفًا يَئِنُّ مِنْ وَتَرٍ وَكَمَان
نَبْضِي أَصْبَحَ سُنْبُلَةً...
وَمُرُوجًا خَضْرَاءَ تُلَاعِبُهَا
رُوحٌ وَنَسِيمٌ وَرَيْحَان...
وَرِيَاحُ الدَّهْرِ بِالْفَوْضَى تُرَوِّعُهَا
أَنْعَى طُفُولَتِي الْمَوْؤودَةَ عَلَى وَرَقٍ
رَحِيقُهَا الشَّوْقُ فِي خَفَقِي
وَمَنْبَعُهَا بَرِيقُ الْعَيْنَانِ...
أَتَحَمَّلُ بِلَا ذَنْبٍ خَطِيئَةَ أَبَوَيَّ
وَمَدَى مَا فَعَلَ بِهِمَا الشَّيْطَان...
لَمَّا أَغْوَاهُمَا فِي رَوْضِ الْجَنَّةِ...
مُذْ أَكَلَا التُّفَّاحَ مُخَالَفَةً،
إِغْوَاءً وَعِصْيَان...
مُذْ دَنَّسَتْ حَوَّاءُ
بِخَطَايَا الطِّينِ أَضْلُعَهَا
وَالْإِنْسَانُ مَجْبُولٌ عَلَى الْخَطَإِ
وَالنُّقْصَان...
أَبْكِي الْمَرَايَا الَّتِي فَضَحَتْ تَجَاعِيدَ وَجْهِي...
أَكْرَهُهَا إِذَا عَكَسَتْ فِيهَا وَجْهَ الْإِنْسَانِ...
مِلْءَ مُعَانَاتِي تَصَدُّعُهَا
مِنْ شَبَابِيكِ حُلْمِي هَرَبَ الْقَمَرُ
وَأَفْكَارٌ مُؤْلِمَةٌ
طَالَ فِي الرَّأْسِ تَسَكُّعُهَا
أَنَا الْأَخْرَسُ مِنَ الْقَهْرِ...
مَمْنُوعٌ الْكَلَامُ وَالْهَذَيَان
لِي لُغَةٌ صَامِتَةٌ جِدًّا
لِلْمُعْتِمِينَ قَنَادِيلَ أُوَزِّعُهَا
زَرَعْتُ نَبْضِي جَوْفَ النَّصِّ بِإِمْعَان...
سَوْسَنَةً يَزْدَادُ فِي عُمْقِ الْمَعْنَى تَفَتُّحُهَا
وَبَسَطْتُ دُرُوبًا فِي صَحْرَاءِ مُخَيِّلَتِي
إِذَا الْوُجْهَاةُ بِمَنَازِلِ الْفَلَكِ أَعْرِفُهَا
وَالرَّبِيعُ أَنْبَتَ عَلَى أَغْصَانِ قَصَائِدِي غَضَّ الْأَغْصَان...
وَبَشَائِرُ مَطَرٍ هَتَّان
لِيَخْضَرَّ بِالطَّلْعِ الْيَانِعِ مَطْلَعُهَا
الْبَحْرُ وَشَّحَ هَامَتِي بِزُرْقَتِهِ
حَتَّى إِذَا غَرِقْتُ فِيهِ يَوْمًا عَرُوسَ الْبَحْرِ الْفَاتِنَة...
يَكُونُ فِي حِضْنِي مَرْقَدُهَا وَمَهْجَعُهَا...
وَقَلْبِي يُدَاعِبُهَا، يُلاعِبُهَا... وَيَحْضُنُهَا
وَيُجِيدُ مَعَهَا لُغَةَ النَّبْضِ وَالْخَفَقَان
يَا أُنْثَى تَسْكُنُنِي وَتَقُدُّ قَمِيصَ اللَّيْلِ
تَذْرِفُنِي لَحْنًا عَلَى شَفَةِ النَّايَاتِ أَذْرَعُهَا...
وَتَجْذِبُنِي طَيْفًا إِلَى شُطْآنِ مَنْ رَحَلُوا
وَإِلَى قَفْرِ الرَّمْلِ وَالْخَلْجَان
أُطَارِدُهَا ظِلًّا أَوْ نَهْرًا جَار
أَظَلُّ مَدَى الْعُمْرِ وَلَهًا أَتْبَعُهَا...
وَأَحْتَضِنُ الْأَرْضَ وَأَنْصَهِرُ
وَأَلْثِمُ صَعِيدَ الْأَرْضِ تَحْتَ أَقْدَامِ أُنْثَايَ
وَأَغُوصُ فِي عُمْقِ الْعُمْقِ...
وَأَجْتَمِعُ بِأَدِيمِ الْأَرْضِ كَالْفَلَقِ
كَالْمَطَرِ إِذَا نَزَلْتُ بِالْبُشْرَى
وَانْتَشَرْتُ فِي الطِّينِ الْعَاطِشِ ثَرًى
فَأَغُوصُ مَعَهَا وَأَخْتَلِطُ
بِصَعِيدِ الْأَرْضِ الرَّيَّان
وَأَتَلَاشَى فِيهَا هِيَامًا حَدَّ الذَّوَبَان...
عَشِقْتُ تُرَابَ الْأَرْضِ.....!!!

سميربن التبريزي الحفصاوي/تونس 

ليست هناك تعليقات: