الجمعة، 30 مايو 2025

قصة قصيرة تحت عنوان{{نجمة الليل}} بقلم الكاتبة القاصّة العراقية القديرة الأستاذة{{زهراء الركابي}}


نجمة الليل

كان اسمها كالسحر، نجمة الليل… فتاة فائقة الجمال، يشبهها الناس بالقمر حين يكتمل، بعيونها الواسعة، وبشرتها كحليب الفجر، وضحكتها التي تخطف القلوب قبل العقول. لكنها كانت دومًا تضع غرة سميكة تغطي جبهتها، حتى في الأيام الحارة أو عند هبوب الرياح، لا تسمح لها بأن تنحرف ولو قليلاً عن مكانها.

الناس من حولها اعتادوا هذه الغرة، اعتبروها جزءًا من أسلوبها الغامض والجذاب. بعضهم قال إنها تزيدها فتنة، وآخرون ظنوا أنها موضة تتبعها، لكن لم يخطر ببال أحد أن تلك الخصلات الناعمة لم تكن إلا قناعًا تخفي به سرًّا عميقًا… صمتًا مؤلمًا لا يُرى.

ففي سنوات مراهقتها، أحبت نجمة الليل شابًا ملأ قلبها بالأمل والخوف في آن. لم يكن يعلم، لكنها كانت تراه كل يوم كأنه كل العالم. كانت تخشى فقدانه حتى قبل أن تمتلكه، تخاف أن يحب سواها، أن يرحل من دون أن يشعر بها. وكل يوم كانت تزرع في رأسها ألف فكرة، وتسقيها بالقلق والتوتر والتخيل… حتى بدأ شعرها يتساقط.

ليس خصلة خصلة… بل جزءًا منها. بدأت مقدمة رأسها تفقد الشعر حتى أصبحت صلعاء، والمرآة أصبحت عدوًا تخشاه. لم تخبر أحدًا، لا أمها ولا أختها. فقط هي والمشط والمرايا يعرفون الحكاية.

تعلّمت أن تصنع غرتها بدقة، ترتبها كل صباح كأنها تحيك قناعًا من الأمان. كانت تمشي واثقة، جميلة، لكن في داخلها هشّة، تخشى أن تهب نسمة ريح فتفضحها، أن يقترب أحدهم ويمس شعرها دون قصد، أن يعرف الناس أنها ليست كاملة كما يظنون.

مرت السنوات، وتغيّر كل شيء، إلا شيء واحد… الغرة، والسر الذي تحرسه خلفها.

لكن في يومٍ ما، وقفت نجمة الليل أمام نفسها وقالت:
"أنا لست ضعيفة، ولا أقل جمالًا بدون هذه الغرة. لقد أحببت بصدق، وخفت بصدق، ودفعت الثمن وحدي. لكني تعلّمت."

وقررت أن تحلق الغرة كاملة، أن تُظهر جبهتها للعالم، لا لتشرح، بل لتبدأ من جديد… كما هي.

وحين رآها الناس، لم يتوقفوا عن الإعجاب، لكن هذه المرة لم ينبهروا بجمالها فقط، بل بقوتها. فقد كانت أخيرًا حرة… بلا خوف، بلا قناع.

زهراء الركابي 

ليست هناك تعليقات: