ســــــراب
سُئلتُ: لماذا اليأسُ يسكنُ نظرتي؟
فقلتُ: رأيتُ الحلمَ يُصلبُ مُفجَعَا
رأيتُ الأماني وهي تذوي أمامَنا
كزهرٍ بدا بالأمسِ غضًّا، فودّعَا
كأنّي خلعتُ القلبَ بعدك وانتهى
زمانُ المنى في خاطري وتقطّعَا
وقد كنتُ أهوى أن أُصدّق لحظةً
بأنّ الذين ادّعَوا الوفا تَصنّعَا
ولكنّني لمّا خُذِلتُ، تعلّمتْ
جروحي بأن تصمتْ، وأن تتوجّعَا
فلا البحرُ، بعدَ السُكونِ، يُدهشني
و لا الرملُ إن غنّى السرابُ مُخدّعَا
ولا الشمسُ، إن لم تُشعلِ الروحَ وهجَها،
تُضيءُ، إذا ما مسّها الحلمُ مُبدعَا
لقد خفتُ أن تغدو الليالي عقيمةً
وأن يستوي في العين بدرٌ ساطعَا
فلا أرتجي وعدًا، ولا أتكئُ على
يدٍ كلّما مدّتْ سرابًا تقطّعَا
ولا أن أرى في الكأس سِحرًا كما جرى،
و لا في صدورِ العاشقين توقّعَا
ولا تُثيرُ الريحُ شوقي إذا دنت،
و لا يبعثَ المنفى الحنينَ مُوزّعَا
ولا تُغرِني الوعودُ فرحةَ لحظةٍ،
إذا مرّ طيفُ الحلم عنها مُقلّعَا
فمن ذاقَ طعمَ المجدِ يصغُرُ دونه
نعيمٌ، وإن يُهدى الحياةَ ممتّعَا
ومن شبّ في عز العُلا ثم انثنى،
يعش على ذِكرى اللهيبِ مُفزّعَا
تعلّمتُ أن المجدَ موتٌ بعينهِ،
و أن البقاءَ، إذا هوى، مُتسرّعَا
فلا تركني لهُدأةِ غافلٍ،
و لا ترتضي حلمًا بلا وهجٍ رُفّعَا
ومن غاصَ في سرّ الوجودِ تأمّلًا،
رأى كلَّ شيءٍ بعد ذاكَ مُضيّعَا
تمنّيتُ لو أنّي غريبٌ عن المدى،
أمرُّ كما مرّتْ سحابةُ مُسرِعَا
عجبتُ لقلبي، كيف لم يتعلَّمِ،
بأن الهوى حينَ يطولُ تُصرّعَا
ومذ كنتُ، والكونُ الكبيرُ تهاوتْ
معانيه في عيني، وصار مُلفّعَا
أ.محمد الصغير الجلالي / تونس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق