(لن تشرق الشمس أبدا )
قصة متسلسلة
بقلم : تيسيرالمغاصبه
٢٠٢٤
الفصل الرابع
-------------------------------------------------------
-٣٤-
الصقر السجين
بعد أن تمت إزالة الصخور المنهارة من فوق الجسر وفتحه من جديد وعودة الأمور إلى طبيعتها،تطلب جواهر من سائقها اخذها وبسرعة إلى قرية أم الملح لرؤية حبيبها يحيى والاطمئنان عليه .
تنطلق العربة بها بسرعة قسوى بينما كانت الأفكار والوساوس ترهقها..ياترى ماذا حدث ليحيى بعد معركة العدو الشديدة القسوة ..هل قتل في الجبال ..وإن كان قد نجى من تلك المعركة هل نجى أيضا من وباء الطاعون الذي قضى على نصف أهل القرية ..وهل كان يحيى من القلة الناجين ؛أنها حقا معادلة صعبة ،بل أن إمكانية نجاته تعد معجزة.
طوال الطريق لم تتحدث جواهر إلى سائقها..لكن أرهقتها المخاوف والتخمينات وكادت أن تنهمر دموعها.
بينما كانت العربة منطلقة بها بتلك السرعة بلا توقف بسبب قلقها على يحيى ولهفتها إلى لقائه.
وما أن وصلت العربة إلى جسر الموت حتى كانت الصدفة الغير متوقعة، لقد حدث إنهيار في الصخور وكما وأن الصخور كانت تنتظر مرور عربة جواهر على الأخص.
فأصابت عربتها وقلبتها ..فتسبب ذلك بكسر في ساقها وبعض الرضوض، وتنقل إلى المستشفى في المدينة.
وبعد تلقيها العلاجات المناسبة تمكث في منزلها بأمر من طبيبها حالما تتعافى تماما.
* * * * * * * * *
بلحظة أخرى يجد يحيى نفسه عاريا في مكان مظلم ،يذوق فيه أشد ألوان التعذيب والإهانات في إحدى معتقلات المحافظة.
فتمر عليه أياما وليال مظلمة.. طويلة الأمد ،ممنوع من النوم ..حتى يتم تحويله أخيرا إلى المحكمة ،وهناك توجه إليه تهمة المعارضة والانتماء إلى الميليشيات المسلحة.
من سجنه الانفرادي الضيق ينقل إلى السجن السياسي الكبير بعد أن حكم عليه بالسجن لعدة سنوات.
فيجد نفسه أمام مجموعة من رجال الدين الصالحين الذين تشع وجوههم نورا وتظهر على جبهاتهم آثار السجود التي لم تخفها كدمات التعذيب .
يقترب منه شاب ..يربت على ظهره ويقدم له كوب من الماء ويرحب به والإبتسامة لاتفارق ثغره بالرغم من آثار التعذيب:
-أهلا وسهلا بك أخي ..لاعليك ستكون بخير إن شاء الله..أنا أخوك بالله "عمير"؟
-أهلين بيك أخي عمير تشرفت بمعرفتك ..أنا أخوك يحيى .
ثم قدم عمير له مصحفا صغيرا وقال له:
-إستعن بكتاب الله أثناء وجودك هنا وسينشرح صدرك؟
نظر يحيى متأملا وجوه جميع من يحيطون به فكانوا جميعهم وللوهلة الأولى يشبهون أخيه الروحي عبد الكريم فشعر بالراحة والأطمئنان.
* * * * * * * * *
تحدث تحولات كبيرة في حياة أهل قرية أم الملح،فيتقدم زكي بطلب يد تمارة ابنة الكحته بعد أن رآها في المنزل تشاركه الفرح بالمكيدة والمؤامرة المحاكة ضد أخيه يحيى.
كانت تمارة صغيرة في العمر هي أبنة السادسة عشرة فقط ،
أما زكي الذي كان يكبرها بخمسة عشرة سنة فقد جاوز الثلاثين من عمره.
وكونه إنسان مهزوز لاتروقه سوى البنات القاصرات ،فأن تمارة رأت فيه الزوج "القرن" الذي تستطيع أن تسخره لصالحها كما تشاء.
خصوصا أنها تعلم عنه الشيء الكثير، ومما تعرفه عنه هو علاقته الماضية بسعدى زوجة أخيه عبدالله،فقد كانت تلك العلاقة قائمة بتشجيع من سعدى نفسها ..وهي التي قدمت له الحافز والتشجيع ..والجرأة فما كان هو يجيد كلمات الغزل أو يجرؤ حتى على إقامة أي علاقة مع امرأة كاملة.
فهو كم يخشى عقول النساء وقوتهن ،ففضل إستدراج الطفلات وبالأخص بنات الأقارب المقربين جدا حتى يطمئن إلى عدم أفتضاح أمره.
أما تمارة التي كانت لاتزال تحب أبن عمها سليمان، وهو الذي يستطيع إثارتها تماما،وهي باقية على حبه وعلاقتها المحرمة به مهما حدث ،فأنها اعتبرت زكي "لقطة"..فهي قد تجد رجل كامل الرجولة في أي وقت..لكنها من الصعب أن تعثر على رجل دييوث..قرن .
وماذا لو أنه كان أيضا مهزوزا ..جبانا كزكي .
وتحدث المعرفة وعلاقة النسب الواسعة بين عائلتي الكحته وحميدان ،فيكون اولاد حميدان المهزوزين مكسب كبير لبنات الكحته الشبقات،فيعرضن الزواج على بقية أخوة زكي فيتم زواج خمسة من أخوته من بنات عائلة الكحته.
وهذه أختهم رجوى الملقبة بالغراب لشدة إسودادها وخبثها تطلب يد الأخ الأصغر محمد .
وتتوطد العلاقة أكثر وأكثر بين العائلتين بعد زواج اولاد الكحته من بنات حميدان بأستثناء رشيدة التي تزوجت من موسى ابن أميمة الأكبر.
فلم يكن موسى يقل قذارة عن عيسى الكحته ،فقد كان يحضر الساقطات إلى منزلها و غرفتها ،
وأخيرا يقوم بتطليقها بعد أن أنجبت منها عدة بنات.
* * * * * * * * *
بعد أن علم سليمان إبن عم تمارة بقرار زواجها من زكي بكى بشدة وإنتابته حالة الصرع التي كانت تعاوده عند الغضب وأخذ يصرخ وينادي:
-بدي تماره ..جيبولي تماره..بدي أشوفها؟
أما تمارة فعندما أخبروها بكلام سليمان ومايحدث له وقفت أمام الجميع وبكل تبجح قالت :
-والله غير إني أروح على حبيبي وابن عمي حتى لو بدهم يطخوني؟
وصلت تمارة وأمها وأخواتها إلى ابن عمها وهو منهارا على الأرض يتلوى كالثعبان في باحة منزله ،وعندما رأته إرتمت فوقه واحتضنته بقوة وقالت:
-ياحبيبي يا سليمان أنا مابقدر أتركك وأنا قلت إلك كثير إني أنا إلك دايما حتى لو إني إجوزت غيرك؟
وكانت بالفعل قد أخبرته بأنه سيأخذ نصيب الأسد من جسدها.
وبالفعل كانت بأحضانه قبل زفافها من زكي بأسبوع .
فتتزوج تمارة من زكي ويرقص سليمان في زفافها وهو في الواقع محتفيا بنصره الكبير .
فتثمر خطيئتها مع حبيبها سليمان بسرعة فيكون ولد ذكر أسماه زكي "صهيب"الذي كان نسبه إليه بالأوراق كعادة جميع أهل القرية.
لقد أوفت تمارة لسليمان بالحب القذر ..لكن كان ذلك مايليق بزكي لأنه في الواقع أكثر قذارة من سليمان.
و في إحدى المرات يمر زكي بلا قصد من أمام منزل سليمان فيقول سليمان بغضب :
-إنتي ياخنزير إلي بتنام بحضن تمارة حبيبتي وبنت عمي ؟
فيهجم عليه وينهال عليه بالضرب والركل ويعاونه عليه ابن عمه.وقد طرحوه أرضا وجثم سليمان فوقه وحاول خنقه لولى تدخل أخوة وأخوات تمارة وابعاده عنه في اللحظة المناسبة.
* * * * * * * * *
تعم أفراح القرية في ذلك العام الذي أقتيد فيه يحيى إلى مصير مجهول، فاعتبر أهل القرية ذلك العام عام الخير والأفراح .
أما عليان وأخوته فيبدأون بالاستيلاء على عدد كبير من أراضي الأقارب الزراعية والسكنية مقابل أثمان بخسة مستغلين الظروف الصعبة الراهنة.
ومن جهة ثانية يتم بناء شركة إجنبية لاستخراج الملح والمعادن من البرك الملحية المنتشرة ،كذلك التنقيب عن البترول.
فينتسب إليها معظم أهل القرية في الوقت الذي يستقيل فيه منها أهل المحافظة بعد أن ثبت أنها تتسبب بأمراض سرطانية بسبب الإشعاعات التي تصدر عن مصانع الشركة ومواد الإحراق المستعملة.
فيموت الكثير من أهل القرية المجاورين للشركة كذلك موظفيها..ومنهم سعدون ابن عم يحيى وبعض أخواتهم منهن رشيدة أخت زكي التي تموت وتترك وراءها عدة بنات يتيمات في قرية ضالة.
لكن لم يتوقف أحد عن العمل بتلك الشركة التي كانت تدفع رواتب مجزيه.
* * * * * * * * *
بعد أن تعافت جواهر تماما من الكسور والكدمات تمنع من السفر أو حتى الخروج بسبب كثرة جيوب الميليشيات المسلحة،وتوضع الحراسات المشددة حول قصرها.
أما يحيى في معتقله فقد علم بتلك الاضطرابات..وأن المدينة تشتعل نهارا ومساء بالنيران ،لكنه لم يكن يعلم تماما بتفاصيلها .
تتوطد العلاقة بين يحيى وزملاء المعتقل ويتعاهدون على الأخوة والمحبة بالله .
فيعلم أنهم جميعهم يواجهون ظروفا أشبه بظروفه هو وصحبته السابقين مأمون وغادة عندما كانوا في المصحة؛كانت أهدافهم الإصلاح والدعوة للعودة إلى الله.
يتعلم يحيى القراءة والكتابة ،والقراءة الصحيحة للقرآن الكريم وحفظه وحفظ الأحاديث الصحيحة .
بل وأتقن تفسير الأحلام والرقية الشرعية وحتى الفلسفة من أحد الأخوة الدارسين لها.
ينظم إليهم فرد جديد أخيرا وقبل أن يكشف عن وجهه يخبرونه بأنه الأخ الأكبر بالله وأنه معلمهم ،وعندما يكشف اللثام عن وجهه يقف يحيى أمامه مندهشا فكاد أن يغمى عليه من شدة المفاجأة وقال:
-مستحيل ..أنت؟
قال الرجل :
-أنا أخوك عبد الرؤوف؟
-لا ..لا مستحيل.
-ماهو المستحيل أخي يحيى؟
وعندما تمالك يحيى نفسه قال:
-أنت تشبه إلى حد كبير شخصا أعرفه .
-سبحان الله؟
-أنه شخص يعز علي كثيرا ..لقد كان هو الأخ الروحي لي..وللوهلة الأولى اعتقدت بأنك هو ..لو أن ..؟
-سبحان الله وأين هو الآن ؟
-رحمة الله عليه.
-هل مات؟
-بل قتل بيد الغدر.
-لاحول ولاقوة إلا بالله وما أسمه؟
-عبد الكريم.
ثم هز رأسه أسفا وقال :
-أخي عبد الكريم قتل..رحمة الله عليه؟
-أخوك؟
-نعم أنه أخي ..أخي التوأم؟
-................. .
-نعم ..لقد إفتقدته من زمن .
وأخبره يحيى عن تفاصيل علاقته بالشيخ عبد الكريم وعن قريته أم الملح بالتفصيل الممل.
* * * * * * * * * *
تترك تمارة لزوجها زكي الحبل على الغارب ليقوم بأفعاله المرضية الشاذة، ألا وهي المتعلقة بتحرشاته بالقاصرات طالما أنه لم ولن يخنها مع أي إمرأة كاملة إلا أنها كانت تعلم بكل تحركاته وأفعاله ،وعندما تريد فأنها تقبض عليه متلبسا فتقوم بتعزيره بوجود أخوتها كي تذله ..فيرى أن خطة النجاة المضمونه هي البكاء .
وعند محاصرته يضطر إلى الكذب عليهم بأخبارهم بأنه يعتقد بأنه يعاني من مرض في عقله وأنه يفكر بعرض نفسه على مصحة للأمراض النفسية للعلاج .
فيرد عيس أخو تماره الأكبر وزوج أخته الصغرى "فريدة" وهو يشعر بنشوة الانتصار:
-والله إلي إمبين إنكو كلكو عيلة مجانين؟
لكن مالم تكن تمارة تعرفه هو علاقة زكي بأختها المراهقة الصغيرة زبيدة ..تلك العلاقة التي بدأت من اليوم الأول لزواجها به.
وهكذا تسيطر عائلة الكحته على عائلة حميدان سيطرة تامة؛ فيصبحون وهم بين فكي عائلتي الكحتوت والحجارين أشبه مايكونون بين المطرقة والسنديان .
وذلك ماكان ليحدث لولى أفعال زكي وقذارته وضعف شخصيته المهزوزة ،
أما أخواته فكان سبب ذلهن هو إدمانهن الجسدي وشبقهن وهوسهن بالذكور الذي لايقل عن شبق بنات عائلة الكحته.. وقد يزيد.
وهكذا تذوق أخته فريدة أشد أنواع الإهانة والذل والهوان من زوجها المنحرف ..مدمن القمار ووالمهووس بالنساء الساقطات دون أن يستطيع زكي وباقي أخوته مواجهته.
أما زكي فبعد أن عانا من الذل والذي كان سببه جبنه ونذالته وخسته ..كذلك خيانات زوجته تمارة المتكررة له بشكل علني وبكل تبجح فقد بدأ يفكر بخطة جديدة..أكثر إقناعا تناسب شخصيته القذرة ..والأهم أنها تنطلي على أهل القرية.
(يتبع...)
تيسيرالمغاصبه
٢٧-٦-٢٠٢٤