سفر الخروج والتكوين
.... سأرحل... سأترك هذه المدينة... مثقلا بأربعين سنة من الألم ، من التعب...
... دفنت عند باب بيتنا الخشبي مفتاحه إلى الأبد ...أعمق ما يمكن، حتى لا تكون هناك عودة...
... مسحت خلفي كل أثر تركته أقدامي الحافية، الدامية... سرت وحدي فأنا لا آمن الدليل...
... لم أتخير صاحبا سوى الصمت ... لأنه لا يتكلم ... لا يسمع... لا يرى... لن يوشي بأمرى لأحد...
... حجرت قلبي هناك...صببت فوقه إسمنت النسيان...قسوت على قلبي بنفسي..
نزعت من بين جدرانه كل ندم... كل ألم ...كل أمل...لأنني صرت أخاف منه أن يلتفلت إلى الوراء...
...أن يتواطئ مع عيوني لتذرف الدموع... لا لن أسمح بذلك...
لن يكسرني أنا....لأنني الأن لست أنا ،ذلك الذي خرج من البيت...إنني أنا آخر...
كلما تقدمت خطوة سأتوارى عن الأنظار... سيصغر جسمي حتى يندثر هناك في الأفق البعيد....
... لمن يبحث عني أقول... لا تتعب نفسك...
لا تبحث عني في الحقول لأنني لن أجوع ثانية ،ولن أحتاج للأكل...لقد خطت فمي بشوك الحياة...
... لا تبحث عني عند النهر والبرك المائية... لن أشرب فقد تيبست دواخلي ومشاعري ... بعدما سقتها تلك النفيات البشرية المترسبة هنا وهناك في جسدي المريض...
.. لاتبحث عني تحت الشجرة...ماعدت أحبذ الظل بعد أن جفت عروقي وزالت خضرتي...لقد سرقتها مني آلة الزمن الرهيبة...
حتى ذلك البحر وذلك الشاطئ ...لن أذهب إليه...لم يعد بتلك الزرقة الجميلة التى كنت أرى فيها عيون من أحب...
...فكما أغرقتني عيونها ورمتني دون رحمة...سيلفظني حطاما ولا نوح ليبني سفني ....
سيقتلك فضولك القاتل...سأخبرك أين سأكون.....
سأتبخر كالماء ...سأنكسر مثل الصدى ...سأتمدد مثل الشعاع حتى أختفي...
لعلني أولد ولادة ثانية هناك.... في موعد جديد مع القدر...
...سأهطل من السماء مع أول أمطار خريفية...ستمتصنى جذور الأشجار والزهور..ستحملني العصافير في مناقيرها إلى كل الجهات...
سيسافر بي الجدول بين الجبال والسهول...
...عندها سيتمزق الخيط عن شفاهي... سيعود لي الظل...ستنفح عيوني لترى ألوانا لم تألفها قط... وتسمعي أذني أصواتا غريبة...
عندها أكون قد إجتزت خط الموت...إنتقلت إلى هناك... إلى العالم الأخر....فمن يتبعني....تفضل معي...
سعودي أحمد
أفلو مارس 2019
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق