(مذكرات طفل رضيع /الجزء الثالث والأخير )
أخيرا بدأت اتعلم الوقوف ،حتى أنني صرت أمشي بخطوات وإن بدت مرتبكة ومتعثرة،لكنها كانت كافية لإثبات وجودي والاعتماد بعض الشيء على نفسي، في البداية كانت حركاتي مضحكة، ورغم العلاقة المتوترة بيني وبين أمي بسبب موضوع النافذة إلا إنها بذلت جهدا طيبا في تقديم العون ومد يد المساعدة لي، ففي كل الأحوال كانت أمي،لكنني رغم ذلك بقيت احبس معظم الكلام في داخلي، كان حرماني من رضعات الحليب الشهي بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، هي عاقبتني بحرماني منه، وأنا بادلتها بالمثل فحرمتها من سماع كلمة ماما. كان أبي خلال هذه الفترة ورغم الإرهاق والهزال البادي على جسده، قد أخذ بالتقرب لي أكثر من الماضي، كان بعد تناوله وجبة العشاء في كل مساء يمسك بأصابعي ويعلمني السير، في أحيان كثيرة كان يفلت يده من اصابعي، مما يوقعني في حيرة،الأمر الذي كان يدعوني للوقوف ممتقع الوجه وكأني على وشك الموت ،يدوم الأمر للحظات، احدق بالاثنين ابي وأمي واكاد أن ابلل نفسي فعلا، لكن سرعان ما كانت أمي تنجدني بأصابعها، نعم أمي كانت تفعل ذلك، وهي تشيح بنظرها عني مما يشعرني بالخزي من نفسي. شيئا فشيئا رحت اعتاد على تناول الحساء الأصفر، فالجوع كان عدوا لايرحم خاصة إذا تعلق الأمر بطفل مسكين مثلي، وبظهور أسناني اللبنية كان من الطبيعي أن اجرب أو بالأحرى أن أكون فأر تجارب لشتى أنواع الأطعمة الصلبة والسائلة، وفي خلال هذه المرحلة وقعت في غرام الجزر، ربما بسبب مايصدر عنه من صوت عند قرضه.وفي هذه الفترة أيضا، نمت بعض مداركي، ورحت انظر للأمور من زاوية مختلفة، صرت هادئا، كثير التأمل، ولم أعد ابلل نفسي كثيرا، لكني لاحظت شيئا مثيرا وعجيبا!لاحظت أمي وكيف كانت تجلس عند ساقي ابي، كانت تدلك له أصابعه، لمحتها مرات عدة، لكنها لم ترني، ثم الشيء العجيب الذي حدث، إنها كانت تبكي! ثم حدثت المفاجأة الأكبر والتي جعلتني مندهشا ليوم كامل، عندما طلبت أمي وبأصرار كبير من أبي، طلبت منه أن يقوم بطلاء النافذة الوحيدة التي تطل على الشارع بلون غامق! وعندما فعل ذلك في اليوم التالي، قامت هي بأسدال الستارة بنفسها، لكنها تنهدت قبل ذلك، وعندما التفتت التقت نظراتنا، ورأيت بوضوح كمية الأسى التي ارتسمت على ملامحها، كانت عينيها تلمعان بوضوح! لكن حينما سألها ابي عن الجدوى من ذلك، اجابته وهي تحاول إبعاد عينيها عني :
-لا أرغب بقضاء وقتي أمام النافذة، أفضل التفرغ لولدنا، تعرف!؟إن سماع كلمة ماما من بين شفتيه لدي أفضل من ألف نافذة،ثم ادارت وجهها للناحية الاخرى ، الذي حدث أنني بللت نفسي، لكن بالدمع هذه المرة!!(انتهت القصة أو بالأحرى انهيتها وللأبد، كانت كابوس )
بقلم /رعد الإمارة /العراق
30/9/2019 الإثنين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق