الأحد، 3 نوفمبر 2019

قصة قصيرة بعنوان {{لحظة حضور جميلة}} بقلم الكاتبة الجزائرية القديرة {{مليكة هاشمي}}

لحظة حضور جميلة... بقلم . مليكة هاشمي

 كانت تعلم أن قصة حبهما مجرد مفترق طرق، لقاء مفاجئ لايعترف بإحداثيات الزمان والمكان، على إدراك تام وموقن أن هذا الحب الجارف المتأجج ستدفن رفاته على عتبة أيامها المتخاذلة، فقد كان وليدا غير شرعي لصداقة قصيرة سرعان ماتحولت إلى لحظة حضور جميلة عقبتها فترة تيهان ثم انغماس وتناغم انتهى به المطاف إلى نزوة مباغتة جعلت براعم الأزهار الصغيرة تتفتح وتستقبل بتلاتها المتشابكة أشعة الشمس المتوهجة فتتقاطر منها شذرات حب أرادت من خلاله أن تتنصل من كل القيود وتتمرد بمشاعرها وتركب زورقا ورقيا تعبر به المحيط كمهاجرة سرية تقدم على مجازفة خطيرة بشرعية الجنون، إمرأة استثنائية مندفعة متهورة انجرفت وراء كلمات ومقاطع شعرية منسابة تقرع طبول قلبها الذي استيقظ من سباته على حين غرة، لم تتوقع يوما أنها ستقدم على الإدلاء باعتراف يملأ بعباراته لحظات الصمت المعتادة ، لم تتمكن من استيعاب فكرة أنها تحب روحا فيها كل التناقضات التي تخافها والعادات التي ترفضها والسلوكات التي تتهرب منها، حبها كان كموتها لا مفر منه ، أصبح قبرا لمخاوفها وهواجسها ، فلم يسبق لها أن داست على كبريائها وغرورها ،لم تعهد روحها أن تقاوم شعورا غريبا ينبض داخلها ،فقد كانت تعيش رواية حب لم تكن مهيأة بعد لتصفحها، كان مصدر إلهام و شحنة غامضة من السعادة والحيوية، ،فأصبح طيفه يلاحقها ويباغتها ويخنق أنفاسها، يجعل ذاكرتها تتهاوى بين تفاصيل صغيرة مجزأة ، فقصة حبهما هي كقنبلة موقوتة مفاجئة أفنتها و بعثرت كيانها وأججت نيران الشوق داخلها، كزهرة أفنتها الثلوج بصقيعها و بردها وقسوتها، فبياضها الناصع ولونها الملائكي لم يكن شفيعا لها، لتتحول حبات الثلج إلى نيزك سماوي حارق يترصد بها، انتهت قصتها دون وداع ، لم تكن لها نهاية جميلة لموجة حب مفاجئة ، بل كانت شوكة مباغتة تغرس بقلبها تحملها جزاء ذنب اقترفته بتراجعها ، أرادت أن تواصل دربا محفوفا بالمخاطر ، أن تستمر في حب رجل يهوى القصص والأساطير ويعشق الروايات الصاخبة السرمدية، حاولت أن ترفرف عاليا نحوه ،أن تشاركه مغامرة جديدة نحو كوكب آخر يحتفي بهما و يخلد ذكراهما، أن تقفز فرحا و تحتضن الأرض ببساطها الملون الزاهر لكنها لم تستطع الاستمرار، أصبحت كالنجم الهارب في كبد الليالي يخاف مسامرة القمر ويهاب ضياءه ونوره الساطع الذي قد يخفت نظرها ويعتم بصرها ، لم تجد نفسها إلا وهي تغادر المجرة بكل مافيها من جنون ساحر وتنسحب بهدوء ، تجر ثوبها الأسود و هو ينحت بحزامه المتدلي خطا رفيعا يشهد على خيبة أمل خانقة، يحجب لونه القاتم حبا خجولا منتحرا مستحيا داخلها، يسدل الستار على مشاعر فتية لم تعش عنفوان شبابها ، أحاسيس موءودة دفنت في ألج عطائها ، عشق وهن ضعيف يجمع شتاته المبعثرة وحيدا، يحاول طرق أبواب الماضي لاحتضانه واحتوائه بدل أن يعيش حاضرا مجحفا يحمله ذنبا لم يقترفه لوحده ، لم تستطع نسيان حب عاشته ولم تتمكن من تشييع جثمانه داخل مقبرة مشاعرها، حب احترف النسيان وامتهن التجاهل و أصر على العيش بعيدا عن مشاعر متناقضة تتأرجح بين ذكريات الماضي و أحلام الحاضر.

ليست هناك تعليقات: