عابر سبيل، يحمر خجلا
( الوقحة ) كانت جحافل الشتاء قد نشرت راياتها أخيرا،وارسلت رسائلها التي تنذر بالبرد المبكر ،فشاعت بين المارة معزوفة لطالما كرهتها، واسمها اصطكاك الأسنان. كان جسدي نحيفا مما جعل منه صيدا سهلا لموجات البرد هذه، والتي أخذت تنخر في عظامي 😢! اخفيت اصابعي العشر في جيب بنطالي، كان علي قطع عشرات الأمتار حتى أصل إلى قاعة الدراسة التي تضج بالدفء. كنت أشعر وانا امشي بخطوات سريعة صوب الكلية بأن أنفي قد تجمد ،أما اذناي فلم أعد أشعر بهما، وكان الهواء البارد قد أخذ يلفح وجهي بصورة قاسية. توقفت عند أحد المطاعم الصغيرة، اصطدمت عيناي بالساعة الكبيرة المثبتة خلف البائع، شعرت ببعض الرضا، مازال الوقت مبكرا، ثمة حساء وبيض وحليب وفول، راح صاحب المطعم السمين يردد وهو يفرك كفيه غير عابئا بالبرد، قلت له وانا أشير برأسي صوب القدر الكبير :
-حساء، وبيض عيون. وضع طبق الحساء الساخن أمامي، تذكرت اصابعي، أخرجت يداي،رحت اغرف بالملعقة، لحظات ثم شاع الدفء، أمسكت بطبق البيض وادنيته مني، رششت بعض الملح والفلفل الأسود ثم رحت اغمس،احتسيت الشاي بسرعة وأنا احدق في عقرب الساعة المجنون الذي أخذ يدور بسرعة! قطعت ماتبقى من خطوات نحو الكلية، وجدت نفسي ارتقي درجات السلم قفزا حيث قاعة المحاضرات، كنت الهث وكدت أن اصطدم بها، رفعت رأسي، يارب السماء،ماهذه العيون!؟ تسمرت في مكاني ، رفعت حاجبيها وأخذت تتأملني بأوسع عينين سوداوين رأيتهما في حياتي! كانت نظراتها مباشرة ليس فيها ارتباك أو حياء، وجدت نفسي احمر واصفر مثل إشارة المرور! لا أعرف أية قوة جعلتني اتنحى عن طريقها، كل مااعرفه أنني حينما التفت للخلف قبل أن استدير لقاعة الدرس ،وجدتها تلاحقني بنظراتها الكبيرة الوقحة وقد ارتسم ظل ابتسامة في زاوية فمها. جلست في مقعدي، وضعت يدي على صدري، كنت ما أزال الهث، التف حولي إثنان من رفاقي، كانا محافظات مثلي! سألني أحدهما:
-وجهك مخطوف،أين كتبك، دفتر ملاحظاتك!. سحقا، رحت احدق فيهما، لقد انساني البرد اصطحاب أي شىء مما ذكر، يالحماقتي! لا عليك، هتف بي زميلي الثاني وراح يبحث في أغراضه، سرعان مادس في اصابعي قلما وبضعة أوراق بيضاء لكتابة الملاحظات. أغلق الأستاذ الشاب باب القاعة، فرك يديه الاثنتين مع بعضهما ثم بدأ يشرح الدرس. توقفنا قليلا بعد انتهاء الدرس في الممر الطويل الذي يشرف على قاعات المحاضرات، كان المكان دافئا مما أتاح لرفاقي الفرصة للثرثرة والضحك بصوت عال جلبا لإثارة انتباه البنات!ابتعدت عنهم شيئا فشيئا، لم اشاركهم عبثهم الاخرق هذا، رحت أمشي في الممر الطويل دون هدف، كنت اشيح ببصري بعيدا كلما التقت عيني عفوا بنظرات إحدى البنات! تبا للخجل، هكذا كنت اهمس مع نفسي، ماهذا! ليست صدفة حتما، كانت هي، بشعرها الأسود المجعد وعينيها الآسرتين، ثمة جاذبية عجيبة في عينيها، كانت تقف وسط بنتين بجوار باب قاعة الدرس، أخذت ترمقني بإصرار من بينهما، احمر وجهي سريعا، وأخذ قلبي يخفق بسرعة، ارتبكت خطواتي، لم اعد أقوى على العودة ولا على إكمال طريقي! وجدتها تبتسم وتهمس بشيء للبنات، تصاعدت ضحكاتهن، ازاحتهن بيديها وبخطوتين وقفت إلى جانبي وقالت بصوت قوي :
-مرحبا، صباح الخير. ارتبكت، لم يكن صوتي واضحا عندما اجبتها، كانت مجرد تمتمة، حتى أنا لم أفهم معناها! قالت وهي تتنهد:
-أنت بالمرحلة الأولى، لم اشاهدك من قبل! تبدو خجولا جدا. اومأت برأسي، لفح عطرها أنفاسي، واصلت كلامها :
-إسمي شذى، مرحلة ثانية، هل تريد أن نصبح أصدقاء!؟. راح رأسي يهتز بصورة آلية، ضحكت وقالت :
-حتما لن تخبرني بإسمك، لكني سأعرفه بطريقتي، خجلك لذيذ، أنه يروق لي. استدارت منصرفة، كان كل موضع في جسدي ينبض الآن، مشت بعيدا هي والبنتين، رن الجرس، نقلت خطواتي بأعجوبة، خيل لي بأن كل النظرات انصبت علي. ظل ذهني مشغولا بشذى، أما الدرس وشرح الأستاذ فلم أفقه منه شيئا، كنت أكتفي فقط بهز رأسي كلما التقت عيناي النرجسيتان😊بعيني الأستاذ!!(انتهى الجزء الأول فقط 😨😲)
بقلم /رعد الإمارة /العراق
21/1/2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق