عابر سبيل، مر مثل البرق
١(لست صغيرا) كان على وشك الدخول إلى غرفة رزم الكتب في ورشة الجامعة الكبيرة، حينما اعترضت طريقه! قالت وهي ترسم ابتسامة واسعة بعينيها قبل شفتيها :
_هل أعرفك!؟ احمر وجهه بسرعة كالعادة، كان خجولا، رد متلعثما :
_طبعا لا. تنفست بعمق من أنفها وضيقت مابين عينيها، هتفت به :
_انت دوما ترمقني بعينيك، تراقبني بأستمرار، حتى زميلاتي بالعمل شعرن بهذا الشئ! هل تراك معجب بي وأنا لا أدري! قالتها بسخرية ثم راحت تضحك بصورة داعرة، بقي صامتا، شعر بأن جبينه قد أصبح باردا جدا، وتمنى في هذه اللحظة لو إن الرب استجاب له، وشق الأرض ليختفي! أدارت له ظهرها، مشت خطوتين ثم توقفت والتفتت، حدقت فيه بعينيها المكحلتين الواسعتين جدا، قالت :
_مازلت صغيرا، قد تبدو وسيما، لكن مالبيد حيلة، مازلت صغيرا. تنهدت ثم لوحت بيدها وهي تمشي للأمام، مثل البطة تماما. مضى النهار ثقيلا بعد ذلك، لم يتناول طعامه في مطعم الجامعة هذه المرة، افتقده بعضا من أصحابه، بحثوا عنه، وجدوه أخيرا، كان يجلس محني الرأس وهو يحدق في الدم، الذي كان يسيل من ذراعه، التي قطع شريانها توا.
٢(البديل) تمطى ببطء على السور الفاصل بين دارنا ودار الجيران، كنت اراقبه من حيث لايراني! كان ذلك قط جيراننا الرمادي، اخذ يتلفت يمنة ويسرة برأسه الكبير، حتما سيثب! إنه يحوم حول نفس المكان، مازال دم حمامتي البيضاء يلطخ الأرض، لن أرحمه هذه المرة! ضربة واحدة من قطعة الخشب الكبيرة، التي احملها بيميني، وعندها سأرقص فوق مخه المتناثر. اخفيت نفسي بسرعة، حتى أني توقفت عن التنفس لبرهة، اللعين كاد أن يراني! أخيراً وثب كما توقعت، راح يتشمم الدم ويلعقه بلسانه الكريه، الحقير لم يكتف بلحم حمامتي فجاء يسعى خلف دمها! سنرى ياقط الجيران، سنرى دم من سيسيل الآن! كان منحنيا، عندما خطوت الخطوة الأولى، رحت انقل قدمي بحذر شديد، فجأة استدار نحوي برأسه فقط، اخذ يرمقني بعينيه الخضراويتين، خيل لي والدم يكسو فمه، بأن ثمة ابتسامة سخرية باتت تلوح، رفع بصره وراح يحدق خلفي! تتبعت نظرته الساخرة، ادهشني مرأى القط الرمادي الآخر الذي كان متقرفصا على السياج، وفي عينيه ذات النظرة الساخرة!!
٣ (حافز) كانت تقف أمام النافذة تحجب أشعة الشمس عني، وكان بوسعي من مكاني على الكرسي المتحرك رؤية الحد الفاصل بين فخذيها، همست لنفسي بأنفعال، انها لاترتدي ثيابا داخلية! لكني عدت وفكرت بأن الطقس الحار قد يكون سببا لهذا! بحثت عن علبة سجائري، أشعلت واحدة، جذبتها حركتي، التفتت بنصف رأسها، كنت أعرف انها ستغضب الآن! لقد نصحني الطبيب أمامها بضرورة الإقلاع عن التدخين. حركت عجلات الكرسي صوبها، لم تلتفت هذه المرة، واصلت النظر من خلال الزجاج البراق، كدت أن اصطدم بها من الخلف، آه، بوسعي الآن شم رائحتها! تذكرت الأيام الخوالي، تبا، لولا حادث السيارة اللعين، لكان بمقدوري احتضان جسدها من الخلف وشم عنقها! لويت عجلات الكرسي، رحت احركه صوب غرفة النوم، سأغفو قليلا، هكذا قررت. فجأة وجدتها تدفع الكرسي بيديها النحيلتين، احنيت رأسي، أصبحت تعرف بعضا من عاداتي التي خلفها الحادث اخيرا! اوصلتني لحافة السرير، أدارت الكرسي نحوها، اخذت تبحث بعينيها عن نظراتي الهاربة، تنهدت وأحنت جسدها حتى لامس فمها المزموم جبيني، قالت وهي تخبئ رأسي بين فخذيها :
_إنها مسألة وقت، ألم تسمع ماقاله الطبيب لنا، فقط عليك التقيد بالتعليمات، وهذه السيجارة واحدة من الممنوعات، اتعرف!؟ لن أرحمك بالمرة القادمة، سأكون اكثر صرامة معك. لم أستطع ان أرفع رأسي، كانت تتحدث بمرارة، والشهور أصبحت مملة، كنت أود الشفاء بسرعة! تحركت صوب الباب، حدقت فيها، استدارت بسرعة، هذه المرة اصطادتني بعينيها، ابتسمت وراحت تهز رأسها المتوج بالشعر الطويل الفاحم، قالت :
_عليك أن ترفع جسدك للسرير، لن أساعدك هذه المرة! وشئ آخر، اذا اردت احتضان جسدي من الخلف فعليك الشفاء بسرعة، وكحافز لك فأني تخلصت حتى من ثيابي الداخلية!!!
٤(ذكريات) كنت صغيرا، لكن ليس بحجم الحمصة طبعا! وعلى مر السنين تم تناقل حكاية ابن عم أبي المضحكة، وكيف أصاب العوق أصابع يديه الاثنتين! كنت احب سماع الحكاية من فم أمه العجوز، كانت تسردها لنا بصورة فكاهية وهي تصب الشاي في اقداح زجاجية وتضعه أمامنا، كانت تفعل ذلك عندما يكون متغيبا عن الدار! لا أعرف كيف لأم أن تفعل ذلك! كانت تستخدم يديها ورأسها وحتى حاجبيها وهي تعيد ذات الحكاية، لكن العجيب في حكاية ابن عم أبي هذا، ليس بسقوطه عن النخلة الشاهقة الطول، ولا في أفراخ الحمامة الذين أصابهم الذعر، وإنما في الكلب الذي كان رابضا تحت جذع النخلة، المسكين لم يستطع حتى أن ينبح النباح الأخير، فقد مات لساعته!!
بقلم/رعد الإمارة /العراق
1/1/2019 الأربعاء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق