قصة ( عابر سبيل، وحكايات من الماضي)
١ (الوجع الضاحك) أيقظني صوت شقيقي الأوسط وهو يمزح مع أمي،كان يغزها، وكانت كركرة هذه الأخيرة وضحكاتها تكاد أن تخرق طبلة إذني، كدت أن أصيح به، مازال الوقت مبكرا يالعين، لكن آثار النعاس سرعان ماطردت هذه الفكرة عن ذهني! أنهما يفعلان ذلك كل صباح، هي تعد له الفطور قبل ذهابه للعمل وهو يلقي النكات شمالا ويمينا،ثم يغزها من خصرها، كلاهما يؤدي واجبه على أحسن مايكون، أما أنا فكان علي الإستماع لكل ذلك الهراء. تواصل أمي بعد ذلك دعواتها له، حتى وهو يكون قد قطع عشرات الأمتار في ذهابه، ثم اصغي لخطواتها التي تنتهي عادة عند رأسي، تزيح الغطاء، تلقي بآخر ضحكة لها في وجهي العابس، قبل أن تتوجه صوب المطبخ لتعد لي الفطور. كنت في عملي، حدث ذلك في صبيحة يوم ربيعي، حين اتصل بي خالي، وهو ينشج مثل طفل كبير، أخبرني بوفاة شقيقي الأوسط ، لم اسأله كيف مات، لكنه قال إن الموت لم يعبث بملامح وجهه الوسيم! أتذكر بأني تنهدت قبل أن ينفطر قلبي!. كنت مترددا في نقل الخبر لأمي، اخذت اكلم نفسي :
_لست أنا من سينقل الخبر، أفضل الموت أنا الآخر. كلفت خالي بالأمر، قلت له بإنها شقيقته في كل الأحوال. كانت أمي قوية، أو هي تظاهرت بذلك، فقد بدت متماسكة وهي تأخذ رأسي في حجرها، لم نتحدث، لكنها مسدت شعري مطولا، كانت تتنفس من انفها وهي تفعل ذلك. مضت بضعة أيام بعد الحادثة، حاولت خلالها أمي، أن تصرف شقيقاتي الثلاث المتزوجات إلى بيوتهن، لكن محاولتها باءت بالفشل، وقد أراحني تصرفهن، فكرت بأن ذلك سيخفف بعض الوجع عنها. كنت نائما حين تسلل إلى إذني صوت ضحكة خافتة أعرفها، تبعها نشيج متقطع، سخرت من اوهامي وحاولت نسيان الأمر، لكن ذات الضحكة عادت وبصورة أقوى هذه المرة، ازحت الغطاء بسرعة وتخطيت الأجساد النائمة، ياالهي! تسمرت عند باب الصالة، كانت أمي بثوبها الأسود المهيب تجلس وبجانبها صينية الفطور التي يتصاعد البخار من أطباقها، أما أمامها فقد كان ثمة صورة كبيرة لشقيقي الأوسط، قبل أن أتقدم صوبها، رأيتها كيف أخذت تغز خصر شقيقي بسبابتها، فعلت ذلك مرتين قبل أن تضحك!. (تمت)
٢ (المجنونة) خالتي لم تكن مجنونة، لكنها رضيت بالوصف الذي أطلقه عليها جدي، ثم سرعان ماقلده الآخرين! كانت ترافقنا حتى باب المدرسة الأبتدائية المختلطة، وكانت تفعل ذلك كل صباح، أما فطورها فكانت تصطحبه معها، رغيف خبز كبير تدس فيه البيض المقلي،لم تكن تتحدث معنا كثيرا أثناء الطريق، ليس بسبب انشغالها بإلتهام رغيف الخبز الذي كان يسيل دهنه على ذقنها، وإنما لأنها تقول ان الكلام في الطريق عيب، اما الأكل فأمره مختلف!. خالتي لم يكن لديها في معصمها الأسمر ساعة، لكننا كنا نجدها في انتظارنا عند باب المدرسة، وقد تهيأت للعودة بنا في الموعد تماما ، وكالعادة كانت تصطحب معها غدائها، رغيف خبز كبير وقد دست فيه قطعا من اللحم الدسم الذي كان يسيل دهنه على ذقنها!. مضت فترة طويلة قبل أن يمنعها جدي من اصطحابنا، قال لها وهو يجذب شعرها الأسود الأشعث الطويل، قال لها بأنها أصبحت امرأة كبيرة! وبأن ثدياها باتا يرجان الأرض رجا!. استسلمت خالتي للأمر الواقع، لكنها ظلت تراقبنا من فوق السطح أثناء ذهابنا للمدرسة، كانت ترفع يدها وهي تلوح لنا، اما يدها الأخرى فكانت كالعادة تحمل بها رغيف الخبز الملفوف. عاد بنا خالي الكبير ذات يوم من المدرسة، لم نكمل يومنا، استغربنا الأمر، لكنه أخبرنا في الطريق بأن جدنا مريض، عند وصولنا استقبلتنا أمي وخالتي الأخرى المتزوجة، لاحظنا بأن ثمة خدوش في خدودهن، كان جدي يتوسط الدار وقد أحنى رأسه، ما أن شاهدنا حتى بدأ ينحب، همس واحد من الأطفال :
_إن جدنا مريض فعلا. امتلأت الدار بعد ذلك بالأقارب والمعارف، افتقدنا خالتي، مضى وقت طويل قبل أن نستوعب إنها ماتت، الأمر ببساطة إنها أحرقت نفسها وهي تستحم، هكذا اخبرونا ! أجبرها جدي وهو يجذب شعرها ويلفه حول ذراعه قائلا :
_لقد مضت شهور وانت لم تستحمي. هذا ماقالته امي لي. (تمت)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق