تأبى الطلولُ بأن تحيرَ جوابا
...
تأبى الطلولُ بأن تحيرَ جوابا
مستعتبٌ ضنّت عليهِ عتابا
يخشينَ حزنَك إن نطقنَ صوادقًا
ففتحنَ بالصمتِ الأسى أبوابا
صَعُب الجوابُ لمن تدلّههُ الأسى
عند الفراق فقد عدمنَ خطابا
هل أهلها ملّوا المقامَ بساحها
حتى غدت يوم الرحيلِ يبابا
ليت الأحبّةَ لم تُزمَّ ركابُهم
وبقَوا على ريب الزمان صِحابا
قُربُ المحبِّ من المحبِّ مؤآنسٌ
وتمرُّ أيامُ النحوسِ هبابا
إنّ الأحبّةَ يوم بان خليطهم
تذرو عليها الذارياتُ ترابا
ليتَ العيونَ كذبنَ يوم فراقهم
أو قد حُجبنَ عن الفراق حجابا
أو قد تبيّن أنّ مثارَ ركابهم
نقعًا تيقّنتِ العيونُ ضبابا
قد يحزن المرأى وتفرحُ غيبةٌ
خبرَ الفراقِ وددتَ كان كذابا
ليت الديارَ قبضنَ حالَ رحيلهم
قُرْبَ الأحبةِ للعهودِ ركابا
أخذوا بناتِ القلب في ترحالهم
طال الفراق وما ادّكرنَ إيابا
رحلوا بحوراء المدامع بعدما
شغفت فؤادَك واجتذبت جذابا
ياليت شعري حين صُعِّرَ خدُّها
غضبى لقتلي أم تريد عذابا
خرقت عليك من الثيابِ قشيبَها
والجسمَ وأبقت للصبا أثوابا
تخشى عليك الغانياتِ ودلّها
ضربت لقلبك كِلّةً وحجابا
ما إن يرى غيرَ الربابِ كأنّما
كلُّ الأوانس قد لبسنَ نقابا
منّتك نفسُ العاشيقن مودّةً
صفوَ الشرابِ فما طعمتَ شرابا
هلّا زجرتَ القلبَ حين هيامهِ
حورًا عشقتَ وما ادّكرتَ حسابا
بل رحتُ تطلبُ ودَّها متوصّلًا
والغانياتُ تقطّعُ الأسبابا
ينبو الحياءُ عن الرجال كأنّما
لاقينَ من ريب الحديث تبابا
برزتْ لعيدٍ والصواحبُ حولها
كالناعماتِ كواعبًا أترابا
يخطرنَ في بيض الملاءِ كأنّما
يمشينَ بالغُرَف العلى أسرابا
ويكادُ يطويها النسيمُ كأنّما
نُعِّمنَ في دار العلى أحقابا
تلوى الخصورُ من اللطافةِ لينةً
تحنو الجبابرُ عندهنَّ رقابا
لو صيغ للقلب الشغوفِ حديدُهُ
ورأى العيونَ الساحراتِ لذابا
فأخذنَ روحَ القلب حين أسرنَهُ
بنواظرٍ تسبي الكماةَ غِلابا
يسبلنَ أجفانًا على أسيافها
وقد انتزعنَ النصرَ والأسلابا
وترى سيوفَ الفاترات سوافكًا
دون السيوف وما مُدِدنَ ضِرابا
ولربّما يهلكنَ نفس موحّدٍ
لمّا يردنَ وما تركنَ قِرابا
هنَّ الأوانسُ إن أردنَ مسرّةً
ويحلنَ من بعد السرور شغابا
طرب الفؤادُ إذا مررتَ بدارها
ويعود من بعد المشيبِ شبابا
وطرقتَ باب الدار بعد هجوعهم
طمعًا بمرآها ركبتَ صعابا
إنّ المحبَّ إذا تقطّعَ حبلُهُ
بعد الوصالِ يصرنَ عنهُ رغابا
إن تمسِ ناسيةً فإنّ هيامَها
كتبتْهُ ما بين الشغافِ كتابا
هل كان ودُّك غيرَ ودٍّ صادقٍ
وأرتك ودَّ الغانياتِ سرابا
فظللت في طلل الأحبةِ جالسًا
تذري الدموعَ أن افتقدتَ ربابا
عيناكَ مثلَ العين يجري ماؤُها
حتى بدا فوق الضلوع حَبابا
ولربّما أطفا البكاءُ من الفتى
نارَ النوى بين الضلوعِ شِهابا
هلّا إذا غرَّ الكعابَ غرورُها
راعيتِ فيهِ مودّةً وقرابا
تسبيك ناعمةَ الكلام رضيّةً
وسمعتَ في غضب الكعابِ سبابا
شغف السماعَ حديثُها وتدرّعت
فوق الجمالِ مع الحليِّ ملابا
وجرى من الحنّاءِ فوقَ بنانها
ماءٌ بدا فوق الخضابِ خضابا
تجلو همومَكَ والغمومَ إذا بدت
تجلو الثنايا بالأراكِ عِذابا
في طلعةٍ سترَ النهارَ ضياؤُها
والشمسُ كادت تدخلُ المحرابا
وإذا جعلتَ البدرَ طلعةَ وجهها
رجحت على البدر المنيرِ فغابا
والبيضُ كاسفةُ الوجوهِ كأنّما
عانينَ من حسن الرباب مصابا
ما إن تركن من الثياب جميلَها
من غير لبسٍ وادّرعنَ سخابا
حتى كللنَ وما قربنَ لحسنها
أمّا الحواسدُ فانسللْنَ حُبابا
ينسيكَ فوها الشهدَ والخمرَ التي
عَتُقت إذاما ذقتَ منه رُضابا
فلقد بكيتُ على الديار وأهلها
حتى خشوا للناظرات ذهابا
فكأنّها. رئمٌ عداها سربُها
ضاقت عليها الواسعاتُ رحابا
سود الوجوهِ على الفجور تآزروا
ملئوا قلوبَ الآنسات حِرابا
مثلُ الضباعِ طباعُهم غدّارةٌ
يغرسنَ في عين المها أنيابا
لمّا رأينَ الحسن يبهر مَن رأى
نظرَ الجياعِ وقد أسلنَ لعابا
عاثوا فسادًا في الديار وأهلها
وتحزبوا يوم الأسى أحزابا
ولهم رياحٌ عاتياتٌ قَرَّةٌ
إذْ أصبحت تتلقفُ الأطنابا
ترمي على دار الأحبّة حاصبًا
حتى تراهُ على البقاع سحابا
بعض المنازلِ عامراتٌ لم تزلْ
بعد الأحبّةِ قد بدوْنَ خرابا
إنّ المصائب قد حللنَ بدارها
بحرًا يعبُّ الموتُ فيهِ عُبابا
جرحًا رحيبًا قد فتحنَ من الفتى
ورمين بيضًا في الفؤادِ رهابا
ترمي الحوادثُ من تغالى نبتُهُ
فأصبتِ من وقع الزمان قطابا
حدباءُ كنتِ مشيدةً وقريرةً
عيناكِ بالأبناءِ منكِ صِلابا
مازالَ عزُّكِ في بناءٍ شامخٍ
حتى بنى فوق السماكِ قِبابا
أخذت ديارٌ للأكارمِ قشرةً
وأخذتِ من جذع الفخارِ لبابا
حتى غدوتِ من الزمان عروسَهُ
ورُفِعتِ فوق العالمين هضابا
ثم استحال مع الزمان تقلُّبًا
وجهازكِ المصيونُ صار نهابا
ألقت عليها الحادثاتُ كلاكلًا
حتى ترى الشمَّ الجبالَ شِعابا
أمُّ الربيعينِ الذينِ كلاهما
بلغا من الحبّ الحصيدِ نصابا
يبس الربيعانِ فقلّت ميرةٌ
نام البنونَ على التراب سِغابا
صانوا الوجوهَ عن السؤال وذلّهِ
يقضون نحبًا مختلين عيابا
لا يبذلُ الحرَّ الكريمَ من الطوى
إلا الذليلُ ليملئَ الأوطابا
فسقاكِ ربُّ العالمين من الظما
بعد العجافِ بساحلَيكِ سحابا
ويعود يقطينُ الأحبّةِ مورقًا
يقري الجياعَ ويبرئُ الأوصابا
...
🇮🇶 الشاعر عبد القادر الموصلي
🌴🌴🌴🌴🌴
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق