هنيئا لي انتصاري
يغشى سواد قاتم على عينيّ ، ملقاة على الأرض كجثة هامدة ، رفعت رأسي والخوف يلازم قلبي ، واجهتني عيناه ، غاضبتين تحملان من الكراهية ما لم أستطع تصوره يوما تأسران حقدًا، ما الذي حصل لك لم تكن هكذا أبدا !؟ هطلت دموعي على استحياء و نزف عدة قطرات دم قانٍ ، لم أقوَّ على تمالك نفسي والوقوف ، ما جعلني أرفع رأسي بثقل مرة أخرى..نحيب بناتي المستتر يختبئن خلف الباب نظرت إليهن بانكسار رأيت الهلع يحيط حدقاتهن الصغيرة ، رأيت دموعا تهاب النزول ، آلاف الأسئلة طرقت بابي ، أنا لم أعد أقوى على أيّ من هذا ليس من أجلي بل من أجل أزهاري التي ذبلت رويدا رويدا ولا تزال في ربيع العمر ... لا زال الدم يقطر من أنفي ودمعتي تأبى التوقف أما لساني فقد رُبط وعاهدني ألا ينطق بكلمة .. استجمعت ما تبقى مني بعد أن انهال عليّ بالضرب ، توجهت بمشية جندي يحمل خيبة الوطن كله في جعبته ، عائد من معركة خاسرة ، لم ألقِ بالا لبناتي الباكيات بحرقة ، اندفعت نحو فراشي وضعت كل ما أملك من أغطية فوق رأسي الذي يكاد ينفجر ، دقائق قليلة لفّ الصمت المنزل بردائه الثقيل ، لم تصلني إلا بعض أصوات باهتة لبكاء تحت أغطية الفراش ، بكيت حتى كادت مقلتاي تغادران رأسي ألما، بتّ أقضي الليالي غريبة في بيتي وبين عائلتي..كان شروق الشمس ثقيلا جدا..عٓلِمتُ أنه قد خرج إلى عمله.. نهضت مثقلة بالهموم توجهت نحو الحمام نظرت إلى المرآة.. لم تكن أنا من تنعكس صورتها على المرآة.. كدمات زرقاء تتربع وجنتيّ، عيون منتفخة، قطرات دماء جافة، شعر مُزِّق بهمجية ،اغتسلت بماء بارد جدا لعله يطفئ اللهيب داخلي.. عدتُ أنظر إلى المرآة ، أمور كثيرة كانت في قرارة نفسي، لكن أصوات داخل عقلي أسرت المكان .. إحداها تقول إنه زوجك يا امرأة بالتأكيد أنه نادم ولم يكن قاصدا، آخر يقول وبناتك أين ستذهبين معهن وحيدة لا أحد لكِ في هذه الدنيا ، نعم إنها الحقيقة المُرّة لا أحد لي .. إحداهم يقول هل ستربين ابنتيك لوحدك وينهش لحمكن كل من هب ودب ، استحمليه لا بد أنه كان غاضب .. نفضت غبار تلك الأفكار عني وإلى متى سأحتمل كل هذا .. إلى متى ؟ سمعت صوت الباب قد فُتِح لقد عاد إلى البيت باكرا ارتعدت مفاصلي وانتفض قلبي، اتسعت حدقتا عينيّ لكني لم أنطق بكلمة ، لا بد أنه عاد لأنه لم يكتفِ اقتلاعًا لروحي ، نظرت إليه بترجٍّ وهو يتجه نحوي وتكرر ذاك السيناريو المؤلم ، اتركني اضمد الجروح الأولى وبعدها أعِد" تمثيليتك" دعني ارتاح قليلا، عدت لأفكر هل سأسمع كلام الناس إذًا ليأتوا ويعيشوا في مكاني يومًا واحدًا لا أكثر ، سأربي بناتي وحدي نعم لا بأس ولا أن يعِشن في ظل هذه الظروف ، تحدثتُ مع صديقة أثق بها قررت الانتقال مؤقتًا عندها حزمت أمتعتي على عجل قبل أن يعود أخذت بناتي وبحثت عن شهادتي التي لم أستعملها قط ولم آخذ شيئًا آخر ، لا أريد شيئا منه ، وخرجت مسرعة ، باشرت بالحديث مع محام لكي أنفصل عنه نهائيا، لم يكن بحاجة للسؤال فبمجرد أن نظر إلى وجهي فهم ما الأمر وباشر بدوره بعمله.. يكاد ينفجر الهاتف على ما يبدو أنه عاد ولم يجد فريسته تنتظره.. مرت أيام ثقيلة بحثت عن عمل ولحسن حظي وجدت عملا جيدا يُعينُني على إعانت بناتي بمعيشة كريمة مريحة ، مستقرة.. بقي أمراً واحداً فقط أن تصل ورقة الطلاق وقتها سأعتبر نفسي ارتحت ..وتحررت منه ، تحملته كثيرا على هذا الحال لا بد لي أن أتخلص من قيوده..سمعت طرقات خفيفة على الباب فتحته لأجد المحامي يقف باسما وكأنه يفرح أكثر مني لانتصاري و كأنه يريد أن يهنئني على التخلص من هذا الإنسان البشع.. حملت ورقة الطلاق وكدت أحلق في أعالي السماء إنها ورقة حريتي.. " صنعت انتصاري من جراحاتي ، كما تُصنع اللؤلؤة من حبة الرمل الجارحة ، فهنيئًا لي انتصاري.
6/2/2022
بقلم أسيل بسام الشيخ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق