الأحد، 10 أبريل 2022

قصة قصيرة بعنوان{{يوم حلمتُ أنني فراشة}} بقلم الكاتب والقاصّ القدير الاستاذ {{ ربيع دهام}}


 ( يوم حلمتُ أنني فراشة/ ربيع دهام)   

في يومِ كئيب كمسرحية شكسبيرية، غامضٍ مثل كتابات نيتشه،
عفِنٌ ككتيبة فطريّاتٍ أعلنت نصرها العظيم فوق جثمان ليمونة، بعد أن شكّت يراعَ إسفنجها الأخضرِ عليها.
في يومٍ تقزّمت فيه أحلامُ اليرقة من فراشة إلى شرنقة. واستقالت الوردة من نثرِ عبيرها. 
ورمت العقولِ إلى الطحالب ضميرَها.
 وفي ليلةٍ ما وصلت لحظةُ أفول الشمس خلف البحر الكبير، بل قبل ذلك بكثير، 
تسكّعتُ أنا، مثل الوطواط، خلف خطوط النور.
ورحتث أبكي عتمتي التي ألتحفها. وأشكو فاجعتي التي أدمنها.
وأسائل نفسي: " أيعلن الليل عن تفسه بتمزّقِ ستارة النور؟ 
واعتكاف الشمس عن العطاء والعمل؟
أو يحلّ الظلامُ بانسداد أفق الأحلام؟
حين يضبضب العملِ حقائبه ويرنو للسفر؟
وإلى النوم المتسكّع في أحضان السهر؟
أيكون الظلام هو غياب النور؟
أو اعتكاف العقل عن اجتراح البديهيات؟ 
أو عزوف القلب عن النبض، والبصيرة عن النظر؟  
في ليلةٍ أرسلتني فيها تخمتى الممتلئة بالفراغ،
 وفراغي المتورّم بالتخمة، إلى الحل الذي لا حل غيره. 
أرسلتني، كطائر الفينيق، إلى ناري التي أضرمها، والرماد التي أرسمها. 
أرسلتني، مثل كل مرةٍ، إلى سجّادة الصلاة، علّني أروي بها بئر عطشي المثقوب، وحاضري المقلوب.
وحقي المسلوب. 
وفي طريقي إلى هروبي الأزلي، تراءى لي الشمس والقمر. وكانا مثل زميلي صفٍ مشاكِسَين ومشاغبَين. يغمران بعضهما بعضاً ويحدقان بي. يرمقان خطواتي المتعكزتين على عصاة كسلي.
على ضموري الذي علّقني قلادة حول جيدِ الأيام.
ماذا أفعل أنا بقلبٍي الذي أمسى بثقل ثقبٍ أسود؟
 لا تضيئه كل الأنوار المنبعثة من جميع الأجرام الفضائية والسماوية.
وماذا أقول للشمس والقمر حين راحا يوشوشان في آذان بعضهما بعضاً. ويستهزئان بي. ويضحكان عليّ. ويقهقهان. ويضرمان النار تحت ناري المتأججة.
وهل حدث أن اشتعلت النار بالنار؟ 
وأكملتُ المشي على ناري التي من دون دفء. وعلى رمادي الذي من دون جمر. وعلى حريقي الذي من دون دخان.
ولما وصلت سجادة الصلاة. ركعتُ. أغمضت عيني. وصلّيت.
وصلّيت. وصلّيت حتى لم يبق في ذاكرتي إلا رذاذ كلمات.
وتوسّلت إلى الله أن يعيد لي، ولدنياي بهجة الحياة.
وقلتُ للله : " وطني من دون أرض. وأرضي من دون شجر. وشجري من دون ثمر. وثمري من دون ورد. ووردي من دون رحيق. ورحيقي من دون فراشات. 
وجُلّ ما أراه، في داخلي، وحول نفسي،عقولاً مخنوقةً في قبو جماجمها، 
وقلوباً صدئة في قمقم هياكلها،
 وطحالب وإسفنج وشرنقات، تركض لاهثةً وراء بقايا عُمُلات.
وركعت للمرة الألف وصلّيتُ. 
وصلّيتُ. وصلّيتُ.علّ الله يزيل عنّا هذا الكرب.
وزحفت زوجتي نحوي وسألتني، بصوتٍ كتمت أنفاسه الدموع : " متى يأتي النور يا فؤاد؟".
وقلتُ لزوجتي: " غدا يرسله الله على صهوةِ جواد",
وأكملتُ الصلاة. ليومٍ. لعشرةِ أيامٍ. لخمسينٍ. لألف يوم.
وشاب شعري. وذبك عمري. ودبدب حتى وصل إلى 
شرفةِ الوفاة.
ورمقت لآخر مرة سجادة الصلاة. 
وسألتها: " لماذا؟".
رمقتني هي بوجهها الحزين. ثم التفتت يميناً وشمالاً.
يا إلهي! كيف لم أنتبه للرفشِ الذي على يمينها. والمعول الذي على يسارها. 
كيف لم أر الكتاب الذي كان، منذ زمنٍ، يفلش أمام ناظريّ الصفحات؟
كيف؟ كيف لم ألاحظ العقلِ الذي على كتفي؟
عقلٌ أهداني إياه الله، حتى قبل أن أبدأ بأيّة صلاة.

ليست هناك تعليقات: