{ يموت النخل زاحفا }
في داخلي
كل شيء تجمَّد
ناص خافق القلب وجفَّ
فلم تعد عنادله
على أوتاره تعزف
أنشودة الفرح وتُغرِّد
ولا صوت هديل حمائمه تتهدهد
والأنفاس اضمحلت
ولم تعد تتمدد
فقد ارتخى وشاخ نهيدها
من كثرة النزف
وأصبحت هامدة تتناتف
أوتارها البالية
جوع ذئاب السنين العاوية
...2
في وعاء كياني المزخرف
زَرَعَ زمني الجميل
ألف شجرة نخيل
مثمرة وارفة
أبراج أفنانها عانقت شمس الضياء
حتى أصبحت رطبها
من شرفة السماء تُقطف
تناتشت عناقيد غلالها خفافيش ليلها
فتهاوى علياؤها ذات مساء
من شدة الأهوال المتضاعفة
وانكسر خصرها الأعوج
وأصبح يتدحرج
كـ "دقن الجن" اليابسة
نحو الرمال القاتلة النازفة
ولم يبقى منها سوى الأطلال
بعد أن جرَّدها من ضلوعها
جراد الأقدار الزاحفة
فتكالبت مناكب الدهر عليها
وأصبحت نارًا صالية
كل ما عَصْفُها الجارف
خمد وترمَّد لهيب أنفاسها
يتجدد ويتوالى متضاعفا
كنار الهاوية
...3
ما أنا الآن
إلا أثر إنسان
من مجموعة ركام
مَرَّ عليه أكثر من عام ونَيِّف
وهو كالأسد الغضبان
في الميدان وبعزيمته يرفع رايته
ويعارك ملوك الجان دون اِستسلام
من أجل نصرة غايته
إلى أن أصبح جسده
منخولًا ومقوسًا كالمرنان ملآن
بطعنات السيوف والرماح
والسهام المتقاذفة
بعدد حبات رمانة
مرصوصة متجانسة
وبعد مهادنة ودون مناص
وبعد أن باع يوضاس العمر
قدري وبوارق أملي بحفنة دراهم
وقبل اقتناص نهايتي المحتَّمة
بالأسر والقصاص
ذهب فكري العاصي
لشريعة الفرسان التي تقول
لا استسلام ودون تملص
يكون موت الشجعان
على وقع قعقعة السيوف في الميدان
هو طعم الخلاص
...4
كذب من قال
إن النخل يموت واقفا
ففي زمن الرويبضة الزائفة
عندما تُدنِّس هامات الجبال
بأيدي أشباه الرجال
البعيدة عن العفائف
التي كانت بالأمس
تحلم أن تكون
بقدم رجال الرجال خُفَّا
أو شرَّابة في تاج
مسباحه الفيروزي المُترف
أو قهوجي
في مجلسه العاجي
إن حشرج صاح
خذ روحي ونفسي
يا تاج رأسي
فألف ألف سلامة وعافية
وإن تأبَّط عباءته وهمَّ
قفز واقفًا كحرف الألف
ليكفكف من أمام حذائه
غبار الأرض المكتنف
ليصبح ذاك المتسلق المتزلف
من أصحاب الجاه
وعلى عشيرته حامي حماها
يحاضر في العفَّة والرجولة والنزاهة
عندها يموت النخل متعففًا
ويتهاوى من الحزن
على ما رآه
ويتجه نحو مثواه زاحفا
بعد هذا الحال
كي لا يقال بمجالس الرجال
إنه كان ذات حضور شاهد زور
على ما تلجلج به وتحرصف
ذاك المهرِّج
في هذا الزمن الأعوج الأعجف
•علاء الغريب / كاتب صحفي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق