الأحد، 23 يوليو 2023

ج(الأول) من قصة {{في عتمة الحافلة}} بقلم الكاتب القاصّ الأردني القدير الأستاذ{{تيسيرالمغاصبه}}


( في عتمة الحافلة )
   سلسلة قصصية
   "الموسم الرابع" 
               ٢٠٢٣
---------------------------------------------------------

القصة السادسة
 ذات الجدائل 
      -١-
مع انبعاث أغنية الفنان طوني حنا "ياأم الجدايل" عبر  مذياع الحافلة ،عاد بي  شريط ذكرياتي  إلى الوراء قليلا ،وتحديدا سبعة سنوات ؛ قبل الفراق.
قلت لحبيبتي الغجرية في أول لقاء لنا :

-ليتك تحرري شعرك الجميل من تلك العبودية؟

-العبودية.

-أقصد تلك الجدائل ؟

-ولماذ .

-لأني من أنصار الحرية ،وشعر كشعرك يجب أن  يكون قائد لثورة الحرية ،لاعبدا للاستبداد؟

-بالرغم من أن أميتي لم تسعفني لفهم ماتقول ،لكن يبدو أنك لاتحب الجدائل .

-أنها في نظري كالقيود؟

بدأت بتحرير شعرها وهي تقول سأجهر بالحرية من الأن.. لأجلك فقط.
لكن بقية التسمية ذات الجدائل ،لتمييزها من بين الغجريات.

*    *    *     *     *     *     *     *    *     *     *     *     *

هذه المرة لم أجد لي مكانا على متن حافلات شركة العقاب المريحة جدا ،ولأني لاأستطيع التضحية بيوم واحد من إجازتي السنوية،وجدت نفسي مضطرا للسفر على متن حافلات شركة أخرى هي شركة التنين.
حيث كان يزين حافلاتها رسم لتنين كبير ،رأسه في مقدمتها ،وذيله في مؤخرتها ويفرد أطرافه بحيث يغطي الرسم كامل الحافلة ؛وفي اعتقادي هو  في تلك الحالة؛ ارادوه بأن يكون  رمزا للسرعة .
لكن وجود الحافلة في الشمس دون مظلة للحافلات منذ الصباح، حولها إلى فرن، ذلك ونحن في عمان ،فكيف سيكون الحال في العقبة .
كانت الحافلة ستنطلق في رحلتها فارغة لمسافة قصيرة ،حيث تتوجه إلى المسافرين المتجمعين في مكان ما لتأخذهم من مكان تجمعهم ،ولهذا لم يكن في الحافلة سوى أنا وثلاث رجال ،أحدهم كان يقرأ في صحيفة  وأما الأخران فكانا يتحدثان بصوت خافت هو أقرب إلى الوشوشة.
جلست أنا إلى جانب نافذتي وكنت أرى "زمردة" في كل مكان ،كانت ترقص في الصحراء ،بين أشجار النخيل ،فوق الصخور .
لم تغب عن ذهني أبدا هذه المرة ،بعدأن فقدت الأمل في لقاءها. 
بالرغم من أن الذنب لم يكن ذنبي في تلك الواقعة ، ولاحتى ذنبها هي ؛ أنه ذنب صديقي "خالد" أو الذي كان صديقي.
إنطلقت الحافلة في وقت كانت  الشمس فيه عامودية لاترحم، وكانت الحافلة كصاج المعجنات في الفرن لولا تشغيل المكيف في الداخل لكان واجهنا مصير رجال غسان كنفاني الذي حكم عليهم بالموت داخل الصهريج.
وعاد  بي ذلك  إلى أيام سهراتي في  خيام الغجر؛  لأجل عيون زمردة. 

*    *     *     *     *    *     *    *    *    *    *    *     *

الأن بلغت الثلاثين من عمري وأنا أصر على عدم الزواج إلا من زمردة،
ومتى ماعثرت عليها فأني سأقبل بكل شروطها ..حتى ذلك الشرط الذي يتطلب مني أن التخلي عن أرقى مكان في عمان ،وأجمل بيت ،وأفضل وظيفة ،وأفضل مرتب،وأرقى ناس ؛ والعيش معها ومع قبيلتها كما يعيشون ؛أصبح غجري !
لما لا ،أنه الحب، ذلك الحاكم الجائر. 
أما كيف إلتقيتها في السابق؛ لقد كانت الصدفة ،وهي الخير من ألف ميعاد كما يقال،
تلك الصدفة التي  جعلتني التقيها عدة مرات في أسفاري المحلية،سوى في مدينتي هنا ،أو في محافظة العقبة ،أو في الأغوار الجنوبية .
كفتاة غجرية لاتقيم في مكان محدد  كي يمكني ذلك من العثور عليها ،
أما الأن فلم تعد الصدفة تلعب دورها في حياتي. 
بل حتى عندما كنت اشتري أوراق الحظ ،كنت دائما أكسب مبلغ من المال  ،لكن الأن فقد أصبح حظي سيئا جدا.
أول لقاء لي بها كان في عمان وكنت قد بلغت الثانية والعشرين من عمري،
وكنت مع صديقي خالد،وكنا نستريح من حصة تمارين شاقة في النادي.
أما هي فكانت مع رفيقتها يجوبون الشوارع ويتوقفون أمام ما يريد أن يعرف حظه بالحصى أو الصدف ،وكان صديقي يكبرني عمرا ،سألتني وهي ترى أني قد فتنت بجمالها :

-أتريد معرفة حظك أيها الشاب الوسيم ؟

قلت وأنا لازلت هائما بها:

-حظي جميل أني رأيتك ،بل وتحدثت إليك آنستي الجميلة.

ضحكت واحمرت وجنتيها بالرغم من خبرتها في ذلك العمل وقالت:

-يكفي دينار واحد ياطيب ؟

-كما ترين نحن نرتدي ثياب الرياضة ولانحمل أي نقود لكن في الغد إن شاء الله وعلى نفس الموعد وستكون فرصة لي  أن التقيك ثانية.

-حسنا أيها الطيب ،إلى الغد؟

-مااسمك.

-اسمي زمردة؟

-أما أنا فأني أراك ماسة.

رأيت أنها بادلتني نفس الشعور عندما قالت :

-وأنت مااسمك ؟

-أنا حاتم.

-وأنت أيضا اسم على مسمى ،حاتم الطائي؟

قال صديقي خالد الشديد الوقاحة والذي كان يتباها بمغامراته النسائية وعلاقاته ببنات الليل وقد نفذ صبره :

-لماذا تعطهن نقود فهن نساء  رخيصات ، ويملكن الكثير من المال بشتى الطرق ،أنظر إلي ماذا سأفعل؟

وفي الحقيقة هن لم يرتحن أبدا لنظراته الوقحة وقد كن ينظرن إليه بريبة واشمئزاز. 

أخرج من جيبة ورقة من فئة الخمسة دنانير ،كانت مبتلة بسبب التعرق ،رفعها أمامها وقال:

-دعك من التصنع تعالي إجلسي إلى جانبي وأطعميني من جمالك أيتها الغجرية.

(يتبع....)

تيسيرالمغاصبه 

ليست هناك تعليقات: