الثلاثاء، 7 مايو 2024

قصة قصيرة تحت عنوان{{قلوب متحجرة}} بقلم الكاتب القاصّ التونسي القدير الأستاذ{{صلاح لافي}}


 قلوب متحجرة...

جابر يمتطي فرسه على عجل.الشمس غربت منذ حين.الكهل ؛يجوب الريف مترامي الأطراف.مرت أكثر من ساعة؛الفرس يظهر عليها الاعياء الشديد.حركة غير عادية؛كل السكان تقريبا علموا بالخبر .نزل على الجميع كالصاعقة.هارون لم يعد بعد للبيت.غادر منذ الصباح.لم يرافق قطيع الغنم كعادته.يوم الأحد؛دأب الصغير على تعويض والده للرعي بالشياه.
الحزن بادي على الوالد.الأجوار يحاولون بلا جدوى تهدئته.
هناك من اتجه للبئر المجاورة؛فيما اتجه البعض الاخر للوادي؛ومن ثمة للجبل بمغاوره العديدة.لا أثر للمفقود.جابر تساوره مخاوف عديدة.ما كان عليه طرد الصغير.هارون بالنهاية؛لم يبلغ سن العاشرة.ثم أن خطأ الابن ؛لا يستحق أن يعاقب عليه ؛حتى شفويا؛بالطرد.الندم واضح على ملامح جابر.تزوج منذ خمسة عشر سنة من ابنة خالته سعاد.أربعيني ؛يعتني منذ صغره بمزرعة والده؛الذي فارق الحياة منذ سنتين.والده؛الشافعي ؛ كان يوصيه دوما بحسن تربية الحفيد.هارون ؛كان محبوبا لدى جده.جابر؛يبدو قاسيا غالب الأحيان ؛ مع ابنه الوحيد.يتصور أن الشدة مطلوبة دائما .
الطفل لم يكن متميزا في دراسته.كان يحلم بالعمل بالمدينة.
البعض من أقرانه؛ ممن غادر مقاعد الدراسة باكرا؛كانوا يزينون له مزايا المدينة.
أشعل جابر اخر سيجارة ورمى بالعلبة وهو ممتعضا.
حل الليل؛ ولا خبر عن الطفل. صوت عويل سعاد؛يصل صداه أطراف الريف الممتد؛يختلط بصوت البوم؛ومع حلكة الليل؛رغم القمر الذي اكتمل؛ يزداد المكان وحشة.الجارات يخففن من وطأة المصاب على الأم المكلومة.هي لم تبلغ الثلاثين بعد.تربطها بهارون علاقة تتجاوز الأمومة.هي دائمة النصح لابنها 
_يا وليدي  الوقت جاب ما عندو رد بالك على روحك...
_راني كبرت أما... ما تخافيش على وليدك ...نحب نخدم في المدينة؛نصور الفلوس...
دائما لا تتمكن الأم من ازالة الفكرة من ذهن ابنها ..
السنة الدراسية تكاد تنتصف.الربيع في أيامه الأولى.
القطار  بصوت منبهه ؛ يشير لمنتصف ليلة تبدو  طويلة .
جابر ؛رفض تناول العشاء كما كأس الشاي رغم الحاح المحيطين به.ضميره يؤنبه.
نظر هارون لبقية الأطفال ؛فساورته الشكوك حول صدق الكهل الذي اصطحبه للمكان.الرجل؛بحنكته؛يعرف كيف يقنع ضحاياه.كعادته؛بعد غروب الشمس يقصد نفس المكان.حديقة فسيحة؛أشجارها مهملة؛هي عادة ملاذ المشردين.بفراسته؛يعرف حالة جل رواد المكان.من هو في حاجة لمأوى؛والوافد الجديد؛والفاقد للسند...خبير ومن ملامح صغار السن ؛ يعرف التعامل مع كل واحد حالة بحالة...تكرم الرجل مع هارون؛ليكسب وده فأمده  بغطاء نظيف؛وحاشية ووسادة من مخزن صغير في ركن البهو الواسع لمسكن يبدو ايلا للسقوط في أطراف المدينة.
همس بين الصغار ؛بدت على ملامحهم الخصاصة والبؤس..بأسمالهم البالية؛وأجسامهم النحيلة..كلهم يراقبون الضحية الجديدة وهو يلتهم ما قدمه له صاحب الفضل..
انتصف الليل؛هارون بحاسته السادسة أدرك المغزى من وجوده وبقية الضحايا .
صاحب الوكالة؛يغط في نوم عميق.شخيره يختلط بأصوات الصبية؛كوابيس تزعج جلهم؛فتصدر عنهم اهات وتمتمات غير مفهومة...
يا كريم متاع الله...اعطونا حويجة لله يرحم والديكم...
انتفض هارون؛شكوكه في محلها. خطرت بباله فكرة.أمسك جيدا بغصن التوتة الوارفة المحاذية للحائط..كاد يسقط أرضا.
على ضوء القمر؛راح الصغير يجني ثمار التوت ويضعها بقميصه الذي خلعه.
صباح جديد؛ولأول مرة يجد المتشرد نفسه ؛يعرض بضاعته على المارة.كهل خمسيني ؛يتفرس في ملامح الصبي؛يبدو أنه عرفه.نزل الرجل من سيارته؛اشترى كامل ما بقميص الصغير؛
وضع مبلغا بجيبه ؛رافقه  لاحدى محلات بيع الملابس ثم اتجها لمحطة القطار؛اقتطع السائق تذكرة للمسافر الصغير ..
أوصاه بعدم تكرار فعلته؛ وحين تأكد  من انطلاق القطارلوح بيديه مودعا...
_سلم على باباك وقلو ..يرد بالو منك .
صلاح لافي l تونس.

ليست هناك تعليقات: