جاء العيد مندهشاً
نحو السماء كانت نظراتنا
تتأمل المدى
لكن البعد في المسافات كسرت
القبلة الأولى
فتبدل الزمان و تحول الوجهة
باحثة عن الأمان
لكن الحلم الصغير الذي كان
يرافقنا
قد مات مضجراً بدمائه بين صلاتين
غائبتين و على حدود
بلدين
فمالك يا أيها العيد تمر شاحباً
بغربتنا
و نحن لم نقل لك تعال لتأتي
منكسراً
فالمسار هنا بجسدنا ليس مسارك
لتأتي مسالماً و تعبر بنا للوهم
الكبير
كنا نريد منك أن تزورنا و نحن
معافين من الخيبة
مع بزوغ الفجر البعيد كي نصلي
صلاة الصبح على أمواتنا
و ندعوا لهم بالرحمة و نقرأ سورة
الفاتحة و نعانق الدنيا
بالراحة
كنا نريد منك وجهاً ضحوكاً بشوشاً
في صباحنا العتم
فليس الآن من حقك أن تأتي
يا أيها العيد
و قلوبنا محطمة بالأحزان و بالأخطاء
في الإنتماء
فلم يعد لدينا من الوقت ما يكفي
كي نعانقك كعناق الأمهات
و لم نعد نراك تجس فينا القرب
كي نقبل يداك
فتباً لمن دعاك و نحن منكسرين
كم دهراً مرَ على غيابك عندما
هجرتنا لتكسرنا
كم من السنين التي قتلتنا مراً و
تكالبت
بمرها علينا فقصرت بأعمارنا في
الهلاك
و أنت كنت تلعب علينا بولادتك
في الهلاك
فكيف سنقول لمن سكنوا في الثلج
كل عام وأنتم بخير و نحن لسنا
بخير
قد نسيناك يا عيدُ و نسينا وجهك
و ملامحك و لم نعد نملكُ
تلك الرغبة
فعد إلى حيث كنت هناك بعيداً
عن الأمنيات
خلف الذكريات و معجزة النسيان
النكراء
فلا نريد من وجهك شيء ها
هنا
فإن المفارق قد ضيعتنا و ضيعت
وجهتها و كل العناوين
ماذا تنتظر على باب السخافة تئن
بخيال الفكرة
فإنصرف عنا إلى الآخر و إلى زمن
الآخر
و رتب المجهول بغدنا المهزوم
فينا
و كن شفافاً كالماء و شريفاً في
رحيلك
فإرحل إلى أينما كان الفرح نقياً
و صالحاً للحياة
فلا مكان لك فينا لتحيا ثانيةً
و نحن أبناء القتلى القدماء
ماذا تنتظر هناك فوق مقبرتنا
الوحيدة
فالأموات لم يتعرفوا عليك
بعد
فلملم من بقايانا ألماً شديداً و من
بقاياهم رماد العظام
و خذ من الريح مركباً برحيلك
الأبدي
و دعنا نقول لهذا العمر كفى
تهدُ بنا وجعاً
فلقد إكتفينا من الوجع بطعنك
فكفى تنادينا كي نموت
أكثر
فإرحل يا أيها الغريب البعيد عنا
إرحل
و لا تسكن بعتبة الروح كالشحاذ
المسكين
و تقول أنا سيد هذا الصباح قد
جئتكم سعيداً
فلا تنشر فينا ما ليس لنا و تعيد
النكسة
قد خيبتنا يا أيها العيدُ منذ
الأمس البعيد
منذ زمن المعجزات و برائة الطفولة
التي أصرت على الموت
فكيف تأتينا كالشبح الساطع بالضباب
بزمن الأموات
كصورة الحياة المثيرة للجدل
الطويل
فالزنزانة قد إتسعت مساحتها و
توحشت بالمحبطين
فنحن غير مهيأين و غير مكتملين
مثل المنام هنا لنلقاك
لقد سبقوك يا أيها العيدُ إلينا
بين جدران المنفى
كل الهزائم و كل الإنكسارات و كل
اللعنات و ضيق الإحتمالات
و حاصرتنا الشائعات عن النجاة
السعيد
فماذا تريد من جسدنا المتهالك بقفر
السنين ماذا تريد
لقد مرَ زمنك من هناك كالشريد
و لم يرانا
فمن أنت بحق العبيد
لتعود إلينا و نحن أحجار رايتين
قد سقطت بين زمنين مختلفين تماماً
عن الحقيقة
فالقبور هناك تسأل عنا لما لم نعد
نزورها و نسقيها الماء
و الزهور هناك تسأل ما ذنبها
لتذبل يابسة
و البيوت هناك تسأل لما لا نسكنها
فالغبار تراكمت عليها و نبتت
العشب الحزين
و الشمس من خلف الأحلام هناك
تسأل لما لم نعد نلامسها
بجسدنا
الذكريات هناك تسأل لما عليها نبكي
و نجهش بالحنين
فأمضي بدربك البعيدُ يا أيها العيدُ
لغيرنا
فربما غيرنا يستحقونك أكثر منا
ليسكنوك
فلقد نسيناك يا أيها البعيدُ
منذ نطقت الأوجاع بأسمائنا و متنا
حجراً لوحدنا
لقد نسيناك يا أيها العيدُ و إنكسرنا
في بعدنا
و لم نعد نراك ضيفاً تدق بابنا
الموجوع
و إن تذكرنا تاريخ ميلادك دون
رؤياك
فلن تتغير لونها الحياة و لا شكل
الأيام ستتغير
فخذ من خيبتنا و إنكسارنا ما
تريد
و إتركنا بغربتنا المرةِ نصنع بأكفاننا
و نطرزها كيفما نريدُ
و قل عنا للآلهة الجديدة إنهم أقذر
مما تصورت
قل عنا لقد كانوا يحلمون أن يعيشوا
حتى
و لو بجوار الحياة البعيدة البسيطة
كورق الخريف
لكن قدراً ما قد حل بينهما باللعنة
فأحرقهم رماداً
و دعنا نكتب بحكايتنا وجعاً في
القصيدة
و نقتل بين كلماتها كل الأماني و كل
الحكايات فعبثٌ أن لا نكتب
فلا تكن حجراً قاسياً علينا مثل
الزمن يا أيها العيد
فتقدم لغيرنا فرحاً و ورداً من
مواسم الربيع
و لنا تقدم ذكرياتك القديمة التي
بقيت تهد فينا بشتائنا
العنيد
فإرحل يا أيها العيد إلى غير
الزمان و غير المكان
فنحن الغرباء الذين يبحثون في
الحجارة عن أثر الذكرى
فلا تكسرنا أكثر مما نستحق
و أنت تذكرنا بماضينا
فلا قدومك سيسعدنا و لا الحياة
ستداوينا فكفى
إنها المكيدة الآلهة وحدها ستقرأ
من الوصايا
كم بلغنا من الأوجاع بأسمائنا
عبثاً في السراب
و كم قضينا مرهقين بالجفاء و
بالعذاب الثقيل
فأنت لست من حصتنا يا أيها
العيد
فدعنا نحمل سقوطنا و نعلن للحياة
عن وفاة الروح
فليس لنا عيدٌ لنقول للآلهة
شكراً
و ليس لنا صباحاً يشرق بمرآة
الأمل
كي نبتسم بوجهها و نحن مشرقين
كالأحياء
فقط لنا من الذكريات ما يكسرنا
بمنفانا الطويل وما يؤلمنا
و بعض من رشقات الحروف
التي
ندونها بالقصيدة من الضجر
فنقول لتلك الروح المسلوبة في
تلأسر
إن بعضاً من الحروف التي نكتبها
لا تكفي لنعيدها إلينا
سالمة
فالخيبة قد إحتلت عرش الكلمات
وحصدت كل شيء
و ضاع من زمن الخاسرين كل
شيء
فمر من هناك يا أيها العيد البعيد
البعيد
حيث تكون الوجع هناك أقل
من الآن
و لا تدخل بيوتاً و كل أصحابها
من الأموات
فكن غريباً و خفيفاً على الظل
و تريث بحالنا قليلاً
فأنا و الكلب القريب كلٌ منا يحلم
بالعيش الآخر
أنا سيءٌ للغاية في لقاء الغائبين
و لا أستطيع أن أسكن أوسع من نطاق
وجعي بغربتي
فقد ملكت مع القصيدة ما فقدناه
في الحياة و كل شيء
و تبرئنا من كل شيء و الذات الثمين
إلا ....... ؟
شكل الحياة البعيدة التي بقيت
تحرس وجع الغياب 😔
ابن حنيفة
مصطفى محمد كبار
حلب سوريا ٢٠٢٤/٦/١٦
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق