من سلسلة " أصوات في العتمة " للكاتب : إدريس أبورزق
الحلقة الأولى : أحاديث منتصف الليل
في منتصف الليل، عندما يهدأ كل شيء، يبدأ عقلها في الصخب.
تمد يدها إلى الهاتف، تقلب بين الصفحات دون اهتمام، تبحث عن شيء لا تعرفه، عن إجابة ربما، عن طمأنينة عابرة، لكن لا شيء هناك سوى الضوء الأزرق الباهت الذي يزيد الأرق سوءًا.
تضع الهاتف جانبًا، تغلق عينيها، تحاول الهروب من زحام الأفكار، لكن العتمة لا ترحم. بمجرد أن يغلق جفناها، يفتح عقلها مسرحه السري، وتبدأ العروض:
صوت يقول: ماذا لو كنتِ فعلتِ ذلك بشكل مختلف؟
صوت آخر يهمس: لقد أضعتِ فرصتك، ولن تتكرر.
ضحكة بعيدة، ساخرة: كم مرة قلتِ أنكِ ستتغيرين ولم تفعلي؟
ثم صوت أكثر هدوءًا، لكنه أكثر قسوة: هل أنتِ سعيدة؟ حقًا؟ أم أنكِ فقط تتظاهرين بذلك؟
تحاول إيقاف العرض، تنهض من سريرها، تشرب كوبًا من الماء، تمشي في الغرفة ذهابًا وإيابًا، لكن المسرح لا يُغلق بسهولة. الأفكار تظل تتراقص حولها، كأشباح تعرفها جيدًا.
تفكر في كل الأخطاء الصغيرة التي ارتكبتها، في كل الكلمات التي لم تقلها، في تلك المواقف التي تمنت لو تصرفت فيها بشكل آخر. لماذا تعود هذه الذكريات الآن؟ لماذا تهاجمها في هذه اللحظة تحديدًا، عندما يكون العالم بأسره نائمًا؟
تعود إلى سريرها، تسحب الغطاء فوق رأسها، كأنها تحاول الاختباء من عقلها. لكن الحقيقة التي تعرفها جيدًا هي أن منتصف الليل ليس مجرد وقت، إنه بابٌ يفتح على أعمق زوايا النفس، حيث لا مفر من المواجهة، ولا مهرب من الأحاديث التي لا تنتهي.
إدريس أبورزق العربي / المغرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق