الاثنين، 21 أبريل 2025

مقالة تحت عنوان{{حين أحب، يعني أنني موجود، وأترك الكراهية للمرضى}} بقلم الكاتب المغربي القدير الأستاذ{{عبد السلام فزازي}}


"حين أحب، يعني أنني موجود، وأترك الكراهية للمرضى."

 عنواني هذا لا يعني فقط أعطاني عن حب عشته ولا زال يلازمني، بل اعتبره موقفا وجوديا تتشظى منه أخلاقيات هذا الموضوع الذي مع الأسف الشديد أخالنا افتقدناه.. فما معنى ادعاء الحب ونحن قايضناه بالكراهية دون أن ندري أو لا ندري؟

أكيد أن وجودنا يبقى مقترنا بالحب، إنه بني أمي أقدس رسالة في الحياة ومتلقيها ليس فردا ولا جماعة ولا عابر سبيل، بل رسالة إنسانية..فحين أحب، لا يكون حبي مجرد  شعور عابر، بل أريده إعلانا صريحا عن حضوري في هذا العالم الذي بات يشوش على أحاسيسي الى حد الغثيان، هكذا بدأ حبي في مدينة أطلسية حباها الله جمالا فوق جمال لأجد نفسي أفكر في الطبيعة كما تفكر خلالي، أحببت بعيدا عن الكراهية العابرة، فكانت حبيبتي بدوية الطبع وفي ذات الوقت حضرية الوجود، عشقتها وعشقت لغتها الجبلية التي لا يفهمها إلا نحن، فكان بداية وجود استثنائي عشناه في صمت وبقي يرفل في الصمت، والصمت لغة بني أمي؛ الم يقل المفكر الفرنسي رولان بارت: الصمت ميتالغة، أي صمت داخل صمت - 
le  silence est une mètalangue".  

وهكذا تجاوزت المحبين لأنني لم أخن يوما ذاكرتي، أصلي، ليبقى الحب عندي أثريا،  خصصت له توقيعا على دفتر الوجود، وكأنني بصوتي المبحوح والخافت قادني ولا يزال يقودني إلى البوح قائلا:
 "أنا هنا، أيتها الخائنة المدللة، حتى لا أقول بائعة هوى بدوية، ربما لم تكوني تعلمين على أنني أتنفس كما يتنفس المتنفسون فقط، بل لأنني  كنت سيد الحب الذي لم يتسلل إلى خيفة وتوجسا من أحد، أجل ذاك الحي لازمني طفلا فشبابا فكبرا".

فالحب عندي يا أيتها الخائنة الصغيرة، يمنحني نعمة البصر، أسمع، والاحاسيس، أمد يدي أي نعم وأنا أعلم أنه من المستحيل أن امسك العالم بيدي المرتعشتين. لكن رغم كل شيء كنت أحلم أنه بامكاني امساكه وملامسته بلطف، وهذا ليس بعيب ولا بمنكر ما دمت قد أحببت وأنا كفل صغير.!.
ففي مدينة الحاجب كنت وفي كل لحظة حب،   اخلق لي عالمًا صغيرًا لا يعرف الكراهية، لا يعرف الحقد، لا يعرف الانكسار الذي تخلّفه النفوس المتعطّشة للعداء، بينما كنت قناصة المواقع، في عالم الهوى، تبحثين وأنت في عصمتي الطفولية عن بدائل تقنع عالمك المحمول على قرن ثورنا الاسطوري .. يا لك من ساذجة، وصولية تصلبين حبك كما صلب المسيح وتحضرين معه في خميس الاسرار، وأنت في حل من الحواريين؛ لأن صلبت المسيح وسلمت جلده فكان عشاؤك الأخير- معذرة للحواريين-!   
وهكذا، تركت لك الكراهية أيتها المريضة بالأنا والجديرة بالبغض.. كنت من زمرة الذين انهزموا أمام الحياة وقرروا أن يعاقبوا الآخرين على جراحهم. وهكذا تركتك لهم أيضا، لأنني اخترت أن أكون حرًا، وحرية القلب لا تكون إلا بالحب. تركتك من شدة الكراهية تعيشين ضيقٌا، مرضٌا، سجنٌا من نوعٍ آخر، وفي ذات الوقت عانقت الحب نافذة مفتوحة على اتساع الروح. وها أنا اكتب سيرتك بدم الموأودة وحبي الصادق هو هو لم يتغير،به أغسل قلبي من غبار الأيام، وأمنح نفسي فرصةً لأكون أكثر إنسانية، أكثر صدقًا، وأكثر حضورًا.
وقد تتصورين جورا وبهتانا أن الحب لا يجعلني أضعف.!،  لا يا عزيزتي فبالحب أكتشف يوميا قوتي الحقيقية: معه تعلمت أن أُسامح، أن أتعاطف، أن أُشعل شمعة بدل أن ألعن الظلام، بينما أنت أتخيلك تعيشين أياما عجافا في الحب، فآنك كنت لا أكره،فأنت من خلال نظراتك تتشظى الكراهية؛
فلأنني لا أستطيع أن أكون مثلك، فلأنني فقط اخترت أن لا أعيش في ذلك الظل الثقيل الذي تعيشين فيه.
فمن خلال عمق كراهيتك رأيت بأم عيني كم الكراهية تُنبت في القلب جذورًا سامة، تُفسد النبض وتُعكر الصفاء. فالحب ليس عبارة عن دروس تربوية فقط بل هو هبة ربانية، وهو شجرةٌ ضاحكة، تثمر بهجةً وتُعطي من دون أن تسأل لماذا..! واعلمي أيتها الضائعة في عالم الكراهية أننا حين نحب، فإننا نصنع سلامنا الداخلي، ونقاوم قبح العالم بجمال المشاعر والاحاسيس النابعين من عالم رباني صاف ونقي زلال..

*- الدكتور عبد السلام فزازي من بركان الحب الطفولي.. 

ليست هناك تعليقات: