الغريب
غريب أنا في هذه الدنيا
هذا حالي منذ البدايات
تبنتني الغربة ربتني
وترعرعت في أحضانها
وها هي تغرب سنيني
وتشرق نهاياتي
انتهى بي المطاف
على رصيف الاشتياق والحنين
وهذا أنا الآن أفرغ مافي جعبتي
صرخة صامتة تزيد من آهاتي
وأهيأ نفسي
لأوقع على بنود الوداع
من هذا العالم المظلم
وأبدأ بكتابة آخر كلماتي
أشتاق وأحن
وكلي لهفة للماضي
أحن لطفولتي لشبابي
أشتاق لأصدقائي لأحبائي
أشتاق لأخوتي وأخواتي
أحن لصوت والدتي وحنانها
أشتاق لرجولة والدي وعطفه
لا جدوى فقط ينتابني البكاء
ودمعي يزيد من معاناتي
الغربة أتلفت ماتبقى
لي من آمال
قد كنت أتنفس من خلالها
أحيا تحت ظلها
باتت معدودة ساعات
وعقاربها تدق وتعزف
على مسامعي لحن النهاية
وبت أنتظر لأصل
إلى المحطة الأخيرة من حياتي
حنين الذكريات يألمني
يقتاد من أحشائي
ويظلم النور في عيني
دنيتي أذلتني وتصر
على أن تنهي حكاياتي
وغربتي عقدت صفقة معها
تشتت أفكاري إنهارت روحي
وتباطأت في قلبي النبضات
واليأس بدأ يحاول تقييدي
لو أنني في بيتي
في قريتي
في وطني
لكنت عزيزا بين خلاني
وما تصاعدت آهاتي
تلاشت أحلامي البريئة
ذهبت أيامي الجميلة
وأهدافي التي رسمتها تبعثرت
والهموم سحقت مسراتي
وأنا في ريعان العمر
غزاني الشيب وجعل
ملامحي كعجوز كهلا
يتكأ على عكازات
كم كنت قاسية معي يادنيا
كم حاولت أن أصالحك
كم حاولت مد يدي لأصافحك
وأنحني لك وأقدم احتراماتي
أي ظلم لقيته منك
أي عذاب غذيتني به
وأي قهرا سقيتني منه
اكتفيت من كؤوس المرارات
لم كل هذا لم أنا
كتبت وختمت وحكمت
على من كان
طيب القلب معاك
ويحمل من جميل الصفات
كان دائما يعري صدره لطعناتك
وبطيب خاطر يستقبل خيباتك
ويقول لك هل من مزيد هاتي
وهو يبتسم ويخفي معاناته
هذا جزائي منك الموت ألف مرة
قبل الموت الموعود الآتي
هذا جزائي لأني كنت دائما
أعلن الوفاء لك
أما كفاني من الأحزان والآلام
وكثيرا من الجراحاتي
كفي عني غضبك
الصبر كره صبري
دعيني وشأني قليلا
لعلي ألملم شيئا من رفاتي
لعلي ألتقط أنفاسي
لو قليلا من آخر أيام عمري
دعيني يادنيا
قبل أن تعلن نعوة وفاتي
الشاعر
حسين عطاالله حيدر
سورية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق