السبت، 31 مايو 2025

نص نثري تحت عنوان{{محرقة الزيف}} بقلم الكاتبة الفلسطينية القديرة الأستاذة{{دنيا محمد}}


 "محرقة الزيف"


في الرُّكنِ الأبْعدِ من السُّؤال
حيثُ تتوضّأ الأرواحُ بالشكِّ
جلسَ الناسكُ يعصرُ الصمتَ قَطرةً فقطرة،
ويعلّقُه على جدرانِ المعبدِ تعويذةً بلا لسان.

يحفرُ في ذاتهِ كهفًا،
لا ليختبئ،
بل ليُدوِّنَ على الجدرانِ نبوءَةَ السُّقوط.

المعبدُ حولَه،
ليس من حجرٍ، ولا من خشب،
بل من صدى التأمُّل،
ومن غبارِ الأفكارِ التي لم تُولَدْ بعد.

كلُّ خُطوةٍ فيهِ صلاة،
وكلُّ ظلٍّ خلفهُ اعتراف،
وكلُّ شهقةٍ فوقَ عتبتِهِ
محرقةٌ للزَّيف.

الناسكُ لا يؤمنُ بالحقيقة،
لكنَّه يُراكمُها داخله،
طبقةً فوقَ طبقة،
كأنَّه يصنعُ سلّمًا
من دُخانِ يقينٍ مكسور.

يمشي منتصبًا كأنَّه الغموض،
لكنَّ الأرضَ هي مَن تنحني لخطاه،
خوفًا من أن تُخلَّ بترتيبِ المعنى.

على كتفِهِ
يحملُ خرائطَ الضَّياع،
ويقرؤُها كمن يُفتِّشُ عن بابٍ
في جدارٍ لم يُبنَ بعد.

الزمنُ عندهُ
مجردُ وهمٍ يقفُ في صفِّ الانتظار،
ليعترفَ أنَّ اللحظةَ
هي السَّيِّد الوحيد.

في معبدِهِ
النُّجومُ تمشي على أطرافِ الحروف،
والعتمةُ تُضيءُ نفسَها
إذا نطق.

والناسكُ
ذاك الذي لا اسمَ له،
رأى الطقوسَ تُعيدُ تدويرَ الوهم،
فكان هو الكاهنَ الوحيد
الذي صلّى
ليَحترقَ المعبد.

بقلم دنيا محمد

ليست هناك تعليقات: