قصة متسلسلة
"الأفق البعيد"
-٧-
"الحلقة الأخيرة"
ماأن إنتهت رحلتنا أنا وصديقي عبد الله التي ذهبناها في أعماق البحر وخروجنا سالمين، طلبت منه أن نتجول في الشوارع والحدائق بأتجاه طريق العودة إلى منازلنا، حتى متى ماشعرنا بالتعب أن نستقل عربة لأكمال الطريق .
وفي الحقيقة لم أشعر أني سأخرج من جديد إلى النور بعد أن كدت أن أسجن في العالم المظلم ..في الأعماق،
لقد كانت لحظة فاصلة ما بيني وبين الجمال الحقيقي ،ومهما كان جمال الأعماق فأنه لايقارن مع ماأراه على اليابسة من جمال الحسان وسحرهن.
تلفت لعلني أرى تلك الفتاة الصغيرة.. الجميلة ثانية ..لم أرها ،لكني رأيت عوضا عنها الكثير الكثير من الجميلات ،
لا أدري لما يصر عبدالله على خنقي واللعب بمشاعري ..فأنا لم أريد أن أرى شيئا أخر غير ماأحببت في هذه الدنيا.
* * * * * * * * * * *
وصلنا إلى منازلنا وقبل الافتراق قال لي عبدالله مؤكدا علي :
-اليوم لاتغلق هاتفك ياصديقي ..انتظر مني إتصالا، سيتم التحضير للسفر إلى القمر ،أخيرا تمت الموافقة علي لأني أمريكي ههههه.. كذلك ..تمت الموافقة على صديقي العربي ..أنت هههههه ؟
قلت متظاهرا بالسرور وأنا مبتعد :
-حسنا إلى اللقاء؟
توجهت إلى منزلي وأنا أتمتم بصوت مسموع :
-عليك اللعنة ،تريد أخذي إلى القمر كي تتعطل المركبة "على حظي العاثر"وتكون النتيجة أن نبقى هناك على سطح القمر،،بعد أن كدنا أن نختنق في الأعماق أو نصبح طعما للأسماك، لا انا أفضل البقاء هنا على الأرض.. مع جولي بقية عمري.. هذا خير لي؟
ماأن فتحت الباب وأغلقته خلفي باحكام حتى جريت إلى جولي كالطفل الصغير العائد لتوه من المدرسة وحده في يومه الأول لأحتضنها بشوق، وقلت لها مؤكدا وأنا لاازال في غمرت فرحي :
-لن نفترق بعد اليوم ..لقد قطعت علاقتي بصديقي عبدالله ،أو بالأحرى من كان صديقي..قطعت علاقتي به إلى الأبد؟
لكن قبل أن تجيبني جولي إرتفع صوت إنذار الباب الإلكتروني:
-طوارىء..طوارىء؟
لم أعره أي اهتمام، لكن أستمر الصوت:
-أفتح الباب ..أفتح الباب ..طوارىء ..طوارىء ؟
بعد لحظات فتح الباب بطريقة ما..فتح على مصراعيه ..دخل رجال الأمن..قال أحدهم :
-هنا.. هنا ؟
قال أخر :
-على وشك إنجاز المهمة؟
بطريقة بارعة ودون إيذائي دفعني أحدهم مستعينا بيديه وساقيه ،أمسك بخاصرتي ويدي وبخفة أنزلني على الأرض وأصبحت مستلقيا على بطني ،وقاموا بتوثيق يدي بالأصفاد إلى الخلف ،توجه أحدهم إلى جولي التي قالت صارخة:
-إتركوه..ماذا تريدون منه ..أحمد ..حبيبي أحمد؟
أما أنا فقلت مهددا:
-..لا..لا
تلمسوها..لاتلمسوها..ابتعدوا عنها؟
أخرج أحدهم من جيبه جهازا أشبه بالريموت ،قام بتوجيهه نحو جوليا فبقيت واقفة في مكانها دون حراك وتوقفت حتى عن الصراخ .
اقترب من جولي المتسمرة في مكانها دون حراك..رفعها ومن ثم مددها على الأرض إلى جانبي لكن على ظهرها،
تقدم منها
شخص أخر معه صندوق.. فتح الصندوق.. ثم قام بفصل رأس جولي عن جسدها ،فعل ذلك أيضا بطريقة بارعة ووضعه في الصندوق بمكان مخصص له،
وقام بفعل نفس الشيء ببقية أطرافها بينما أنا أنظر غير مصدق مايحدث وأردد:
-ياإلهي ماذا تفعلون؟
بعد ذلك قام الرجل بأغلاق الصندوق .
سمعت صوت عبدالله وهو يدخل إلى المنزل مسرعا :
-ماذا يجري ..يبدو أنه يوجد سوء فهم؟
لكن بعد ذلك لم أعد أشعر بشيء ..لقد أغمي علي .
* * * * * * * * * * * *
تم ايداعي السجن ليوم واحد فقط أمضيته أنادي جولي بلا توقف ، ومن ثم عرضت على طبيب للأمراض العقلية فتقرر بعدها أيداعي في مصحة للأمراض العقلية ،زارني صديقي عبدالله، قبل أن يحدثني بادرته بسرعة:
-عبدالله..ماذا فعلوا بجولي هؤلاء القتلة ..أريد أن أراها؟
-إهدأ ياصديقي ..هل لازلت تعتقد بأنها فتاة حقيقية..ألم ترى بأم عينيك كل ماجرى ..ألم تصدق بعد ..مابك ياصديقي.
-لا.. لايمكن؟
-إهدأ..إهدأ ياصديقي..ألم أقل لك مرارا بأن تخبرني بكل مايحدث كي أستطيع التصرف في الوقت المناسب..والأن انظر ياصديقي؟
رفع موبايله وبث الفيديو على الحائط بصورة مكبرة
كشاشة السينما فظهرت صورتي وصورة جوليا في أخر الأخبار وكان صوت المعلق يقول :"أخيرا تم القبض على المجنون العربي ،سارق ريبوت فتاة ثمين معتقدا بأنها فتاة حقيقية"
-ريبوت ...لكن..
-لاداعي للدهشة ياصديقي ..أن تصرفك الأحمق قد فادنا في قضيتك بتخفيف العقوبة..معتقدين بأنك مريض ،ليتك أطلعتني على الأمر منذ البداية عندما طلبت منك أن تعرفني عليها لأكتشفت حينها الأمر وتداركت الموقف..ولما كنا فيما نحن فيه الأن؟
-...................... .
-اللعنة ..كان علي أن أعلم ذلك عندما رأيتك تقترب من ريبوت الفتاة في الطريق عند مهاجمة الكلب لك..كم أنا غبي ..بل شديد الغباء؟
-وهل تلك الفتاة كانت ريبوتا أيضا.
-بالطبع ياصديقي؟
-لكن.
-لاتندهش ..أنها تتمتع بكل مزايا المرأة الحقيقة ..الجسد ..البشرة ..الرائحة حرارة الجسد ..و..وكل شيء.. أنه العلم..عقل الإنسان، وهي معدة للأثرياء الذين يعانون من مشاكل كثيرة ..كالسجن ..أو السياسيين المهمين في سجونهم..أو المرضى ..أو الذين يعانون من العجز وماشابه؟
-.................. .
-يبقى أن تعلم الأن وتتأكد بأن تلك الروبوتات الثمينة معدة للأثرياء فقط ياصديقي؟
إنتهت الزيارة.. طلب من عبد الله المغادرة ..نظر عبدالله إلي بأشفاق ومن ثم احتضني و"طبطب" بيديه على ظهري مواسيا ، وودعني بعد أن وعدني بألا يتخلى عني أبدا ،تم اغلاق الباب علي باحكام ،نهضت متوجها نحو النافذة ..كانت غرفتي مرتفعة جدا حيث كنت في الدور العلوي للمبنى، نظرت متأملا الأفق البعيد..ذلك العالم الواسع ..الرهيب ،والذي عبث بمشاعري بلا رحمة ..و..أغمضت عيني .
* * * * * * * * * * * * *
فتحت عيني وكنت أقف أمام الساعة الموضوعة في خزانة ثيابي وقد تساقطت جميع رمال المؤقت الرملي وأصبحت الرمال جميعها متجمعة في المساحة السفلية .
كنت أشعر كما وأني عائد من رحلة طويلة ..أو من مشفى بعد رحلة علاجية طويلة.
إنتظرت حتى حل الظلام فرفعت الساعة وأعدتها إلى صندوقها ثم نهضت متوجها إلى الحديقة وحفرت لها في نفس المكان ووضعتها في الحفرة وطمرتها بالتراب من جديد.
(تمت القصة)
تيسيرمغاصبه
١٥-٥-٢٠٢٣