《إمرأةٌ من حِبْرٍ》
في ليلة باردة يجتاحها الحنين ويلتهم لحظاتها الشوق ، يجلس رجل الحزن أمام المدفأة ، هاهو يتكور في جوف العتمة ، تحاصره أفكاره اللعينة وتجلده سياط الشؤم ، بداخله وجع صارخ وصمت كافر ،
الألم اخترق جسده وأغلق مسامات جلده ، هو لايستطيع التنفس ، الهواء الذي حوله اصبح خانق ، كأن ذرات الهواء قطرات سم يتجرعها بصعوبة .
الألم يعتصره ،ويبتلعه مثل دوامة مثلث برمودا .
والحنين مرٌّ كالصبَّارِ ، الوحدة تطعنه بخناجر لحظاتها المميتة ، كله يصرخ لكن صوته مبحوحا ، لا أحد يسمعه كأنه مدفون بأعماق الأرض المهجورة .
يستخرج زفرات عميقة و يدخن سيجارته ... ينفث دخانها طويلا ،فجاة يلمح وجه امراة الحلم الجميل ، باسمة الثغر تعبث بوحدته ، ينتفض فرحا ويستقبلها مثل أم تستقبل إبنها المهاجر لعقود.
يمسكها بيده ويأخذها بعيدا ، إلى ماوراء الضجر ومابعد الوحدة ، يغازلها بعيدا ليغتال غربة الروح .
يجري بها فوق الحقول الخضراء والزهور الحمراء والصفراء والبيضاء ... و ... و...
يطير بها فوق السحاب ، ينزل بها مع زخات المطر فوق ألوان قوس قزح ، يغطيها بكفيه و معطفه حتى لا تبتل ، إنه يخاف عليها من نزلات البرد وحتى نسمات الهواء العليل .
يأخذها بين ذراعيه كطفلة صغيرة ويضعها أمام المدفاة يجفف ملابسها و شعرها .
تبتسم له ابتسامة ملائكية وتغفو أمامه ك طفل بريء
يتاملها جيدا ويشكر الرب على لقائه بها ، يتوضأ من الوحدة ويقف فوق سجادة الفرح ويستقبل قِبلة الشكر ، ليقيم صلاة اللقاء .
يسجد سجدة الشكر ويبكي بكاء الروح العليلة ، يرفع رأسه من الأرض واذأ بها قد إختفت ، يبحث عنها في زوايا الغرفة العاتمة وبين ألسنة نار المدفاة ، بين نهايات دخان سيجارته ،لكنها لا يجدها فيدرك أنها مجرد حبات رمال الخيال تناثرت فوق أكفان الوحدة وقُبِرتْ بمقبرة الأحلام المنسية .
تبعثرت افكاره وفقد الاتزان فالشقوق بداخله عميقة جدا والسقوط طويل.
ركام الخيبة يتراكم على احاسيسه واللقاء فيلم هزلي يقام في باحة الشوق من الرمق الأخير لمعزوفة الامل التي تسير في رأسه مثل جنازة لكنه لايدري متى تدفن .
بكى عاليا وقال :
لاتنامي مجددا ، لااريد أن ألتحف تفاصيل الرحيل المنعكسة ،سأكتب هنا كي لاتنامي ، ولاتنام الحروف بجوفي ، أيامي تتوق للمكوث في راحتيك يا إمراة عرشها قبضة من الخيال ، تستبيح وجه السماء ، سموا لتبتل بماء النقاء وتنزل ببرزخ اللقاء الأبدي بمخيلتي وأحلامي .
طأطأ راسه المطاطي المثقل بالتشتت وتمتم قائلا :
صنعت لنفسي قبرا على الورق وأردت من حروفي ان تشيع جثمان وحدتي .
فقد دسَّتْ يدِي السُّمَ داخل المحبرة حين رسمتك بقلمي .
إمراة المداد لقد كنتِ مجرد امرأة من حبر نائمة على الورق.
الجزائرية بن حميدة جميلة
بتاريخ :21 جوان 2019