(لن تشرق الشمس أبدا )
قصة متسلسلة
بقلم : تيسيرالمغاصبه
٢٠٢٤
-----------------------------------------------------
-١١-
الأمل الأخير
بعد أن كانت مراسم الجنازة ليحيى، تشاء الأقدار بأن يكتب له عمرا جديدا، ويعيش بروح مريم ،و بلحظة تتبدل تلك المراسم لتشييع مريم بدلا منه؛مريم التي قد تكون هي "عذراء القرية الوحيدة".
بعد تلك الفاجعة ينطوي يحيى على نفسه ،لايكلم أحد أبدا،ويقدر الشيخ عبدالكريم حالته النفسية ويبتعد عنه قليلا حتى يهدأ.
فكان كثير مايحدث نفسه :
"أن المحبين لايفترقون أبدا ..كم أنت أنانية يامريم ..لما لم تتركينني أموت لأهرب من هذه القرية الظالم أهلها ..على الاقل أنت كانت لك أمك..أما أنا فلا أحد لي ..هل هذا هو الحب يامريم ..حتى لاتحزني أنت علي تتركينني أنا فريسة للحزن..الأن كيف سأحيا بدونك يامريم".
من جهة ثانية أن حميدان لم ينسى ما فعله به الشيخ عبدالكريم في الحقل بسبب يحيى، فقد كان حقده على كلاهما يزداد يوما بيوم.
* * * * * * * *
أما الشيخ عبدالكريم فقد وسع جولاته في القرية وكاد أن يبسط نفوذه بالكامل قاصدا من ذلك تطهير القرية ونقلها من الضلالة إلى الإيمان، ومن الظلمات إلى النور.
لقد قرر ملاحقة المجرمين إينما كانوا .
في ذلك اليوم يمر الشيخ عبدالكريم بجميع رجال القرية ويؤكد عليهم بضرورة حضور الدرس في المسجد.
كما ضغط على الجميع بخصوص صلاة الجمعة والجماعات اعتبارا من الجمعة القادمة،وأكد ذلك على حميدان على الأخص.
وفي أول درس له قال :
-أخوتي ..وأهل قريتي..وأبنائي، على الجميع أن يعلم بأن الله لم يخلقنا للعبث واللهو..أما أنا فإبتداء من هذا اليوم سأقوم بتغيير السوء بيدي إن لزم الأمر..وسأقضي على الهمجية والتخلف، لعل الشمس الغاربة تشرق يوما على قريتنا الضالة ،المظلمة،أرجو ممن يرى في نفسه القدرة على الانضمام إلي فنكون أخوة بالله، فليبقى هنا بعد الدرس لنعمل معا بما فيه الخير لقريتنا..وعلى بركة الله؟
لكن بعد الدرس بقي وحده .. لم يبق إلى جانبه أي منهم، بل خرج الجميع متبرما ومتذمرا،
أحدهم قال للآخر :
-ماظل غير واحد درويش مجنون بدو يغير القرية إحنا أهل عشاير وحمايل بنحل مشاكلنا لحالنا؟
وأخر قال:
-إحنا أصلا مابدنا جوامع بالقرية ؟
-أصلا هذا واحد غريب مابنعرف من وين أجا على قريتنا.
فكثر أعداءه ومنهم أخوة الشابان السكارى الذان تعرضا للعقاب بالضرب من قبل الشيخ عبدالكريم، كذلك أخوة خليف الذين راودهم الشك بأنه هو وراء إختفاء أخوهم خليف.
* * * * * * * *
في سهرة حميدان مع أسرته يطلب من زوجته إعداد ابريق الشاي والاكواب وطلب من البنات الذهاب إلى غرفتهن للنوم .
وعندما ذهبت فريال لاعداد الشاي همس إلى اولاده بصوت خفيض محاولا ألا تسمعه زوجته فريال:
-إسمعو ..إنتو بتعرفو شو المطلوب منكو وللا أرد اعيد الحكي؟
أجابوا بصوت واحد:
-أيوه فاهمين.
* * * * * * * * *
في صباح اليوم التالي يفق يحيى من نومه مذعورا ،فينهض من فراشه و يخرج متوجها إلى الشيخ عبدالكريم، يمر بالقناة ويغسل وجهه ويشرب ويتابع طريقه.
عندما وصل إليه كان الشيخ عبدالكريم في الخارج يرش الماء على التراب أمام المسجد كالعادة محاولا إخماده، حرصا من إثارة الرياح للغبار ،وقال له بالفصحى:
-السلام عليك أخي عبد الكريم؟
رد الشيخ عبد الكريم بسعادة وقد إنشرح صدره لدا رؤيته:
-وعليك السلام ورحمة الله وبركاته أخي وقرة عيني .. أنا سعيد برؤيتك بعد ذلك الغياب؟
ثم إقترب منه مصافحا ،وقبله على رأسه كالعادة ،وقال له مستوضحا:
-مالي أرى وجهك شاحبا يايحيى؟
-أخي عبد الكريم..لقد رأيت في نومي خمسة من الوحوش يحيطون بي ،وأمامهم وحش كبير لعله قائدهم،فكنت أستغيث فلا يسمعني أحد ..والغريب في الأمر هو أني رأيتك تنظر إلي من بعيد ولم تنقذني منهم..بل ..إستدرت وتركت المكان..ثم وبعد ذلك أجد نفسي وحيدا في مكان موحش؟
خفق قلب الشيخ عبدالكريم بشدة وهو يسمع ذلك الكلام وقال:
-ياالله ..إسمع أخي يحيى..أنها رؤيا ..لكن لاتقصص رؤياك على أبيك وأخوتك..وعليك الحرص منهم ؟
-وكيف علي أن أحرص منهم وأنا أنام بينهم .
-لا تغفو وأنت في الخلاء ..ولاتبتعد كثيرا عن المنزل ؟
-حسنا سأفعل.
-أما أنا فلن أتركك أبدا ..وسأستمر في حراستك وحمايتك ماحييت؟
وعندما استدار يحيى ليغادر ،ناداه الشيخ عبدالكريم ثانية وقد شعر بالقلق الشديد عليه :
-يحيى إنتظر؟
-ماذا.
-تعال ؟
وعندما عاد إليه أخذ يحصنه بالمعوذات ومن ثم أخذه بين أحضانه وضمه إليه بقوة وهو يشعر بأنه يودعه للمرة الأخيرة.
* * * * * * * *
في صباح اليوم التالي قام أخوة يحيى بإعداد سنابل القمح لشوائها في الخلاء ،والابريق والاكواب ،والسكر والشاي ،وقال الأب:
-إصحو تنسو البطانية ؟
قالت فريال:
-معقول ياحميدان بتكو تروحو وماتوخذو يحيى معاكو يشم الهوا ؟
قال الأب بخبث:
-آه..ماشي مثل مابدكي بنوخذه معنا هذه المرة بس قوليلو إنه مايغلبنا ؟
ثم نظر إلى اولاده وأكمل:
-ومحل مابنقعده يقعد؟
قالت فريال:
-لا يحيى شاطر مابغلب ؟
ثم نظرت إلى يحيى وقالت :
-مو هيك يا يحيى؟
يحيى لم يرد ،لكنه قد يكون نسي الأمر ،أو أنه يشعر بالأمان بوجود الشيخ عبدالكريم الذي لن يتركه وحده معهم وأنه حتما سيتبعهم مراقبا.
ثم إنطلقوا بالرحلة الطويلة مشيا على الاقدام.
* * * * * * * * *
في ذلك الصباح لم يرفع الشيخ عبد الكريم الآذان لصلاة الفجر ،بينما الجميع تكاسل عن الذهاب للمسجد وأنهم سوف يتعللون بحجة أنهم لم يسمعوا الآذان فيما لون سئلوا.
لكن الوحيد الذي كان حريص على أداء جميع الصلوات في وقتها كان "زيدان "ذلك الرجل المصاب بمرض نادر ،قاتل؛لاشفاء منه.
يذهب زيدان إلى المسجد ،وعندما يصل يفجع بما رأى ،لقد كان الشيخ عبدالكريم غارق في دمائه وكان جثة هامدة فوق سجادة الصلاة والدماء قد أغرقت المكان ،
لقد طالت يد الغدر الشيخ عبدالكريم بعد أن تعرض لعدة طعنات في ظهره وصدره ورقبته بينما كان يصلي قيام الليل.
* * * * * * * * *
تتم مراسم التشييع بسرعة ،ويوارونه التراب كما وأنه "هم وإنزاح عن ظهورهم".
في فترة مابعد الظهيرة يعود حميدان
واولاده الخمسة من رحلتهم،لكن يحيى لم يكن معهم .
ما أن تراهم فريال ويحيى ليس معهم تسألهم بقلق هذه المرة:
-وين أخوكو يحيى ياعيال ..وين يحيى ياحميدان؟
لكن الاولاد لم ينبسو بكلمة واحدة ،أما زكي فكان مسرورا جدا ،أما الأب فقال بلا اهتمام وكما وأن ماحدث هو شيء عادي:
-يحيى..منتي عارفيته شيطان ياحرمه ؟
-شو يعني ياحميدان مافهمت.
-يحيى ضاع ..ودورنا عليه بالبرية ومالقيناه ؟
-شو بتقول يازلمه..وهيك بتقولها وإنتي مرتاح ..ولد زغير بتتركوه بالبرية وبترجعوا بدونه ؟
-سدي ثمكي يامره أنا جاي راسي بوجعني من الجوع سويلنا إشي نوكله؟
فقالت فريال صارخة :
-كيف أسكت وأنا الأم إلي خلفت وربيت..كيف أسكت؟
فبدأت فريال بالصراخ والولولة على يحيى لأول مرة منذ أن أنجبته:
-وينك يا يحيى ..شو سوو بيك ..وين رموك يايحيى؟
* * * * * * * *
يستلم زيدان المسجد ،بينما يهجره الجميع فيتركون الصلاة ،فيؤذن لنفسه ،ويئم بنفسه لعدة أسابيع ،يموت بعدها فيغلق المسجد نهائيا وينتهي ذكر الله في قرية أم الملح .
" نهاية الفصل الأول "
(يتبع...)
تيسيرالمغاصبه
١-٣-٢٠٢٤