(في عتمة الحافلة )
سلسلة قصصية
"الموسم الرابع"
٢٠٢٣
----------------------------------------------------------------
القصة الثالثة
"قلوب تحترق"
-١-
أدركت الأن وأنا في وحدتي ؛ أن الإنسان لايمكن أن يعيش بلا حب ..لايمكن أن يحيا بلا النصف الثاني ..أن ممارستي لجميع الفنون الجميلة لم يمنحني الاكتفاء أبدا ..بل جعلني متعطشا أكثر إليها.
أدركت أن القلب يبقى حزين في وحدته مهما تفاخر المرء بكونه خالي الفؤاد،فهو يكذب على نفسه ..أنه يعجب بكل جميلة تمر به ويتمنى لو أنها كانت فتاته،
أنها غريزة وحاجة تميل بها القلوب إلى بعضها ؛وهذا ما يجعلنا بشر .
حتى لو أني امتلكت كل شيء جميل ..وابدعت بكل شيء فأنا لاأكتفي بذلك.
حقيقة لايمكن العيش دونها ،
أني بلا شك بحاجة إلى أنثى تكون جالسة بجانبي في هذه الرحلة ،
نسمع صوت الرعد فتختبىء في صدري ..ينتابها الفرح تحتضنني..تحزن تحتصنني أيضا كي أخفف عنها حزنها ،
أما أنا ..فلو شعرت بحاجتي للعودة إلى طفولتي احتضنها لسماع نبضات قلبها ؛سبحان الخالق الذي خلقنا لنكمل بعضنا البعض ..خلقنا لنحب بعضنا البعض هذا الحب الجارف.
بينما كانت الحافلة منطلقة بي في رحلتها التالية ،وكنت في كامل شياكتي كما وأني في موكب زفافي الأول ،وهاتفي الثمين بيدي وخاتمي في أصبعي ، لم أنسى شيئا أبدا، وبينما سماعات الهاتف موصولة بأذني أسمع من خلالها أعذب الموسيقى واجمل الغناء ؛ أن كل ذلك لم يمنحني السعادة ..وإن وجدت فهي بلا شك سعادة زائفة ،فأنا أراها إلى جانبي ..أمامي ..في أحلام نومي ..وأحلام يقظتي..أراها تراقصني ..لكن من هي ..لاأدري ..الأهم في الأمر أني أرها معي ..بلا شك أن تلك النعمة من حق الجميع ..ولكن من يقدرها ممن حصل عليها كي يتعامل معها بانسانية وتحضر .
القلب فعليا خال من حب أي فتاة محددة لو إستثنينا الأحلام..لكنه غير خال من الحب، أن كل نغمة منبعثة..كل كلمة تحث على الحب وتحث على البحث عنها والتلفت لعلها تظهر.
إنطلقت موسيقى هاتفي والتي تمدني بغذاء الروح كما مغذي الوريد على سرير المشفى مع انطلاقة الحافلة التي تتمايل لكبر حجمها كالباخرة في عرض البحر، أغمض عيني وأعيش أحلام الحب والمراقصة دون توقف ؛وظهرت..
ظهرت أمامي أمرأة فيها جميع المواصفات التي يتمناها العربي الأسمر .
أكاد أن أبلغ الأربعين من عمري ولم أدخل حياة الرهبنة بعد ولن أدخلها ،ففضلت عدم التأهل أيضا للعيش في القفص الذهبي فأرتأيت العيش عاشقا مسافرا .
عندما إختارت الجلوس إلى جانبي لابد أنها رأت بي ما أراه بها ..أو لنقل أنها رأت مالم تره في رجل أخر،
بلا شك هي لغة القلوب ..لكن جمالها الفاتن كان أكبر مم تمنيت ..الشعر الأصفر كشلال من ذهب ،عيناها الزرقاوتان كعيني دمية ثمينة ،الإنوثة المفرطة..قوامها الجميل كما وأنها عارضة أزياء ،
كل ماحلمت به وما لم احلم به قد تجمع في أمرأة واحدة.
يبدو من لونها ونطقها بأنها ليست عربية،
رفعت سماعة الأذن بسرعة للخروج من الخيال الجميل إلى واقع أكثر جمالا ،
قلت :
-أعتذر سيدتي ؟
قالت بصوت رقيق يسلب العقل:
-أتسمح لي بأن أكون رفيقتك في سفرك؟
ماأجمل أهل الغرب ..لأن علاقاتهم إن كانت صداقة أو حب ،أو أي علاقة عابرة فهي لاتحتاج إلى شروط أومقدمات أومكابرات،قلت بلهفة مستترة :
-نعم نعم..بكل سرور سيدتي الجميلة.
-أنا أسمي جانيت؟
-وأنا أسمي غريب.
وهكذا رضيت عني الأقدار..رضيت عني دون رجاء ..دون عناء.
* * * * * * * * * * * * * *
حدث التقارب والانسجام والاحترام والصداقة ..وكان الطريق السالك السريع إلى الحب بشكل أسرع مم توقعت .. كما وأننا خلقنا لبعضنا في زمن السرعة .
من الحديث والتودد إلى عناق الأصابع، ومن ثم ممارستها لمواهبها في قراءة كفي وتقاسيم وجهي وتحليل شخصيتي وكانت تردد كل حين :
-ياإلهي..شيء مدهش ..أنت كأنا تماما ؟
-يالسعادتي إذا لن أسمح لمنعطفات الطرقات أن تفرقنا .
-وأنا أيضا ياعزيزي.
حضرت المضيفة التي كانت متجهمة هذه المرة وحين ترمقني بنظرات حادة وحين أخر ترمق صديقتي نظرات حقد وكراهية لا مبرر لها، فشعرت كما وأن عينيها رصاصات ستخترق صدري، لم تتكلم و أكتفت بالنظرات لم ارغب بطلب أي شيء منها،لكن الأدب يحتم علي أن أقدم شيء لصديقتي على سبيل الضيافة ،لكن صديقتي فهمت مابداخلي بسرعة ،ونظرت إلى المضيفة باشمئزاز وقالت لها دون أن تشكرها:
-لا لانريد أي شيء بأمكانك الانصراف؟
ثم قالت وهي تنزل صندوق صغير حافظ للطعام من الرف العلوي وتضعه فوق ركبتيها :
-أنا التي ستضيفك على شيء ياعزيزي؟
-لكن عندنا الرجل هو الذي يضيف المرأة.
-نعم هذا لأنك عربي؟
-هذا صحيح.
-بالرغم من أن هذه العادة لاتعد حضارية عند العرب لأنها أمتداد لحب السيطرة والتملك إلا أني حقيقة أحب
الغيرة عند الرجل العربي وحمايته لفتاته؟
-أشكرك.
كانت تجيد اللغة العربية ،بل واللهجة العامية أيضا ،أخرجت من حقيبها علبتا قهوة باردة وقدمت لي واحدة وقالت:
-أن القهوة الباردة أفضل في هذه الأجواء الحارة ؟
-نعم بكل تأكيد.
-الأن ياعزيزي لننتقل لغير العادات، أريد منك أن تحدثني عن نفسك ..كيف تمضي وقتك سيما وأنت أعزب تعيش وحدك؟
-أنا أمضي وقتي بكل شيء له علاقة بالفن ..الكتابة ،القراءة، التلحين، التوزيع الموسيقي ،كتابة الأغاني، العزف على عدة آلات موسيقية، الفن التشكيلي ،النحت ،الغناء ،التمثيل ونشر فيديوهاتي على الانستقرام وغير ذلك.
-كل ذلك تمارسه في أن واحد ..وهل تجد الوقت الكافي ؟
-أنظم وقتي .
-هل فكرت في الاحتراف ؟
-لا.
-لماذا؟
-لاأحب القيود ولااحب التخصص في شيء .
-لماذا ؟
-لأن التخصص أشبه بالسجن داخل شيء نحبه ،وعندما نسجن بداخل شيء نحبه حتما سنكرهه مهما كانت درجة محبتنا له.
-فلسفة جميلة ؟
وأنت ياعزيزي الجميلة.
-أما أنا فأقرأ الكتب وأمارس الرياضة وأتابع تعلمي من دراسة إلى دراسة أخرى ،لااتوقف عن التعلم ،وأحب تبادل الآراء مع المثقفين كأنت ؟
- تقصدين علم دون تخصص .
-بل جميع دراساتي هي تخصصات ياعزيزي؟
-في أي فندق ستقيمين في العقبة.
-لن أقيم في العقبة تحديدا ،أنا مسافرة دائمة..وأنا الأن متجهة إلى إيلات ومن ثم إلى العاصفة أور شليم؟
-إلى الأرض المحتلة.
-لماذا تطلق عليها أسم الأرض المحتلة ياعزيزي؟
-لأنها بالفعل كذلك.
-لكنها تسمية خاطئة، وإنما هي الأرض المتنازع عليها ،وهل كان يوجد أرض لتحتلها أسرائيل؟
-لماذا تدافعين عن اسرائيل وتبدلين في الحقائق ياعزيزي .
-عزيزي ..أنا لاأبدل أي شيء في الحقائق ..أن جميع العرب حصلوا على دول وأمارات من لاشيء بعد سقوط الدولة العثمانية الغازية التوسعية؟
-لكن الأراضي تبقى عربية وهي لهم.
-الأرض لله وهبها للبشر ، أن تلك الأرض هي أرض مقدسات للعبادة لا للقتل وسفك الدماء؟
-لماذا تصرين على رأيك .
-كما تصر أنت على رأيك؟
شعرت أن الحديث قد أخذ منحى أخر وكاد أن يؤثر على أعظم المشاعر ألا وهي الحب الذي بدأنا به ،وقبل أن أشير إليها بتغيير ذلك الحديث؛وبذكائها الفطري وعلمها قالت:
-نعم ياعزيزي الأفضل أن نغير ذلك الحديث وكل منا ليبقى على منهجه الذي درسه في بلده كي لاتتوتر علاقتنا السياسية ههههههه؟
-وهو كذلك.
-هل أنت فلسطيني؟
لا ..أنا أردني .
-هذا جيد إذا من الأفضل أن نكن أنا وأنت على حياد في هذا الأمر ؟
-أو أن نتحدث بتحفظ هههههه.
-خصوصا أنها أرض مقدسات و المقدسات لله ونحن أبناء الله ..نختلف ونتصالح؟
لقد كانت عنيدة جدا ومقتنعه كثيرا في منهج زرع في عقلها ..زرع في غير العرب وتم تحفيظه لهم ،لكنها أمسكت بيدي ووضعتها على قلبها فشعرت أن خفقاته تزداد وقالت:
-هل لديك قابلية لقتل النساء ..أقصد هل تقتل النساء دون تردد ؟
-أنا ضد هذا السلوك الارهابي من البداية ،أن الحرب لاتكون ضد النساء بل هي في ساحة المعركة وجها لوجه..ثم أنا فنان ولاعلاقة لي بالسياسة ولاأحب التحدث بها.
-لقد رأيت ذلك في عينبك؟
-أنا خلقت لعبادة الجمال لاقتله ،شم الأزهار لاقطفها.
-لكن غيرك فعل ..وهنا ؟
-غيري لايمثلني .
-لقد سافرت وتجولت وحدي في معظم الدول دون خوف لأني مؤمنة بالله وعندما رأيتك أدركت أن العالم لايزال بخير؟
-أشكرك ..قال رسولنا الكريم (ص)الخير في وفي أمتي إلى يوم القيامة.
-جميع الديانات السماوية تحث على الحب والخير ؟
-نعم بكل تأكيد.
-أمسكت بيدها وقبلتها قبلة عودة التصافي من جديد ومالت برأسها على كتفي وقالت:
-لماذا ساندتم من احتل أراضي الغير بالقوة بينما أنتم ترفضون الاحتلال وتتهمون اسرائيل به ؟
-تقصدين غزو الكويت.
-نعم هذا صحيح؟
-أنا لم اساند أحدا ..أنا مواطن ..مجرد فنان مسكين مغمور ..بينما تضارب الإعلام قد شتت عقول البعض في بعض الدول العربية وافهمهم بأنه يوجد هجمة غربية على الجزيرة العربية لتنصير أولادها.
-ههههههه وهل فعلوا ؟
-لا.
تنهدت وقالت :
-ههههههه عزيزي إذا إندلعت الحرب وكنت أنا هناك والتقيتني صدفة..هل ستقتلني ؟
-لقد أخبرتك يا عزيزتي بأني فنان ولست جندي ..بل وأخاف لون الدم أيضا ..وأبله من يقتل حبيبته.
-لقد ورطتني بحبك ياعزيزي؟
-كلانا تورط.
(يتبع..)
تيسيرالمغاصبه
٧-٦-٢٠٢٣