(في عتمة الحافلة )
سلسلة قصصية
"الموسم الرابع"
٢٠٢٣
---------------------------------------------------
القصة الثالثة
"قلوب تحترق"
-٢-
بينما كانت أصابعنا مستمرة في عناقها
همست إليها مادعبا:
-لكن قولي لي الحقيقة عزيزتي جانيت؟
-نعم عزيزي غريب.
-أنت لوإلتقيتني صدفة وكنا في حالة حرب ..هل ستقتلينني ؟
-ياإلهي ..ماذا تقول ياعزيزي ..أتمنى لو أني لم أسمع منك ذلك.
ثم مالت برأسها متجاوزة كتفي ملقيته على صدري ليأخذ موضعه فوق قلبي ليحتويها ذراعي بحب ،فقالت وهي تكاد أن تبكي :
-أتعرف لماذا أنا دائمة السفر والترحال؟
-لماذا .
-لأني هاربة من مشاهد القتل والقصف من كلا الطرفين؟
-لكني أرى أن طرفا واحدا هو الذي يقتل وتسفك دمائه هو الشعب الاعزل.
-لكنه لن يتوانا عن القتل لو إستطاع..أن مايمز تلك الدولة هو القوة..قد يكون بعض ماتقله صحيحا لكن في كلا الحالتين أنا لاأحتمل رؤية ذلك؟
-أتدرين ياعزيزتي.
-نعم ؟
-طالما أنك تقرأين وتدرسين بأستمرار ..لو أنك نوعت في مصادر قراءتك لتاريخ العالم ،أنا على يقين حينها بأنك ستغيرين منهجك كليا.
إبتسمت وقالت ساخرة:
-أنت كعربي هل تجرؤ على تغيير منهج درسته أو تعلمته؟
إبتسمت وقلت:
-لا.
-بالطبع لأن مجرد التفكير بذلك تكون النتيجة الموت سوى كانوا هم أم أنتم ،لأن تغيير المنهج يعني أمرا واحدا هو ؛ ال لا...أي الرفض؟
-................... .
-سيكون مصيري كمصير أي عربي كما أنتم العرب ؟
-.................. .
-أن منهجنا جزء لايتجزء من ديانتنا؟
-.................. .
-نحن نقاتل لنحافظ على وجودنا ..لأجل بقائنا..لبقاء شعب بأكمله؟
-أكملي عزيزتي فأنا مستمع جيد.
-أنتم العرب تقاتلون لأجل أفكار مغلوطة حتى لو كان المبدأ صحيحا، أو إتباع شخصا واحدا مصابا بعقدة العظمة وهدفه الأول والأخير أن يكون البطل أو الإله المعبود..وبكلمة منه يقود جميع العرب إلى التهلكة في حرب غير متكافئة ؟
-................. .
-لم تكن قضيتكم قضية دين بحته.. كتلك الدولة؟
بالرغم من ثقافتها التي فرضت علي الصمت إلا أني لم أرغب بمتابعة ذلك الحوار الذي أظهر الحجة فقلت :
-هلا تركنا ذلك الحديث لنتفرغ لأنفسنا عزيزتي جانيت؟
-نعم أن مايهمني هو نحن ..أنا وأنت .
-والحب ؟
-والحب.
أن نطق كلمة حب وحدها لها تأثير رهيب ..بعد أن استقر رأسها على صدري بحب ،وبلاغتها في الحديث ،فملت على رأسها عندما جذبني شعرها الأصفر ليفتن عيناي شلال الذهب، فترفع رأسها بعد أن شعرت بحرارة أنفاسي بفعل لهفتي..نظرت إلي بعيون تدمع لاستقبل القبلة الأولى بينما أتمنى في قرأرة نفسي ألا يكن لها أي علاقة بتلك الدولة ..أي أن لاتكن من تلك الدولة ويكفي أن تكن أميركية أو حتى من أي بلد أوروبي .
* * * * * * * * * * * * * * *
تمنيت أن تطول الرحلة التي أوشكت على نهايتها ،لكن في الحقيقة أن رحلة العمر قد تغولت بنا كثيرا ،قلت وقد أصبحنا مزيجا واحدا من العواطف والأحاسيس والتجانس وبات من الصعب الانفكاك :
-ليتني إلتقيتك قبل ذلك بكثير؟
-لماذا ياعزيزي .
-لأني الأن على وشك إتمام الأربعين من عمري؟
-ماهذا القول ياعزيزي ..أن عمر الأربعين هو عمر التألق ..أتعلم بأني أنا قد أتممت الأربعين.
-غير معقول ..لايبدو عليك ذلك؟
-لأني لا ألقي أي أهمية بشأن العمر ..أن الأهم في حياتنا هو ماذا فعلنا في سنوات عمرنا قبل ذلك..وماذا سنفعل بعد ذلك.
-هذا صحيح لكنا نقترب بخطى سريعة نحو الخريف؟
-في الحب لايوجد أي مصطلح للخريف ياعزيزي ..أن الحب يمدنا بالشباب دائم.
- صحيح ..هكذا شعوري وأنا معك..آه..لقد أوشكت الرحلة على نهايتها؟
-بهذه السرعة.
-الرحلة السعيدة دائما تكون قصيرة؟
-نعم هذا صحيح لإنا لانشعر بمرور الوقت.
-أتسمحين لي بأن أعزمك على شيء قبل الفراق؟
شعرت بأن جسدها قد اختلج عند ذكر الفراق وقالت:
-هل ستتركني؟
-أنا لاأستطيع أن أتركك لكن بما أنك متجة إلى إيلات بكل تأكيد أنت التي ستتركينني.
-لقد كان ذلك قبل أن نلتقي ونحب بعضنا ..لكن الأن قد أختلف الوضع ..فأنا سأبقى معك إلى الأبد ياعزيزي غريب ؟
-أنا سعيد بذلك عزيزتي جانيت..وأنا لن أتخلى عنك أبدا.
-عند الوصول سوف نقيم في أجمل الفنادق وسوف أعزمك على أشهى مائدة تحتوي على اللحم والسمك ومن ثم نفكر بمستقبلنا معا؟
قلت وانا لاأكذب أبدا :
-اللحم والسمك ..لكني نباتي ؟
-يالهي ..نباتي ..أنت خير مني بكثير.
-لا..لست كذلك ؟
-لقد بدأت فعلا أشعر بالأمان أكثر وأنا معك بعيدا عن أجواء القصف والمذابح ..كم أكره الدم ..كم أكره التنكيل ..والظلم.
فأنهمرت دموعها من جديد ..تلك الدموع التي رأيت فيها الصدق ،وتابعت:
-ولهذا السبب أنا أمضي حياتي في السفر والترحال ولولى وجود أسرتي هناك لما ذهبت إلى هناك أبدا.
* * * * * * * * * * * *
على شاطىء البحر التابع لفندق من افخم فنادق الدرجة الأولى تجولنا بعيدا عن البشر بينما أيدينا تتعانق من جديد ..كانت أضواء إيلات تتلألأ من بعيد ،توقفنا بعد أن كان الاتفاق أخيرا على السفر إلى أميركا للعيش هناك.
توقفنا عن التجوال..إلتقت أنفاسنا من جديد مستعدة للحظة ما بعد الشوق ؛لكن و بتردد وجهت لها ذلك السؤال الذي يجول في خاطري وقد جاء متأخرا جدا:
-هل أنت أميركية؟
-لا أنا إسرائيلية ،لكني أحمل الجنسية الأميركية واغلب إقامتي في أميركا .
-أ..أنت إسرائيلية ؟
لم أشعر بارتجاف يدي والتي تركت يداها ثم عادت وأحتضنتاهما من جديد وهذا الشيء الذي لم أتوقعه وقد حدث رغما عني وقالت:
-نعم ياعزيزي ..لكن لماذا تقشعر بدنك .. ألم تقل بأنك فنان ولا يعنيك ذلك ؟
-معذرة ..لقد تفاجأت لأني لم أكن أعلم ذلك.
-لأنك لم تسألني من البداية كما سألتك أنا..وكنت قد رأيت بك غير ذلك..ولم أعير ذلك أي إهتمام؟
-لامشكلة ياعزيزتي ..لامشكلة فنحن بعيدون كل البعد عن ذلك الصراع..أن ماحدث يشبه بالمعنى؛الاعتياد على منهج معين .
لكن الحقيقة المؤلمة كانت غير ذلك،
بالرغم من أن الحب كان هو الأقوى والذي مكنا من تجاوز ذلك كله ،لكن في الفندق قرأت في عيني نظرات خيبة الأمل من حقيقة تمنيت ألا تكون .
* * * * * * * * * * * *
في صباح اليوم التالي وكنت لاأزال في السرير بفندق لم أكن أحلم يوما في الإقامة به ،بعد ليلة حب اعتقدت بأنها ستكون البداية ..لكن جانيت لم تكن إلى جانبي ..وقد تركت رسالة إلى جانب السرير كان محتواها:
"عزيزي غريب ..
بعد تلك الليلة الجميلة التي منحتك فيها كل ما أستطعته،أحسست من نظرات عينيك أنك قد تغيرت بعد أن علمت بأني أسرائيلية ..حتى نبضات قلبك قد تغيرت، بمعنى أنك تخشى من حبك لي أيضا، لقد رأيت ذلك في عينيك.
وكانت..و..أقلها لك..و بصراحة ..كانت خيبة أمل كبيرة لي ،
فكان لا بد من خروجي من حياتك مكتفية بساعات جميلة أمضيتها معك.
لقد قمت بتسديد فاتورة الفندق بأكملها ومجرد أن تفتح رسالتي سأكون على متن طائرة مجهة إلى أمريكا وليس معي منك سوى أجمل اللحظات التي أمضيتها معك.
وداعا ...
حبيبتك جانيت"
"إنتهت القصة "
وإلى قصة أخرى...
تيسيرالمغاصبه
١٨-٦-٢٠٢٣