(في عتمة الحافلة)
سلسلة قصصية
"الموسم الرابع"
٢٠٢٣
-----------------------------------------------------
-٦-
نهاية
كنت أشعر بأن وضعي الصحي يسوء شيئا فشيئا ،فكنت ألجأ إلى المهدئات وأستمر في مكابرتي .
عادت ثريا ،وكنت حينها مستلقيا على السرير في غرفة النوم، سمعت صوتها كما وأنها تنادي على طفلها:
-أين أنت ياعزيزي؟
خرجت من غرفة النوم أمشي بإعياء شديد بينما حنان بقيت مستلقية على السرير.
ما أن رأتني ثريا حتى قالت :
-هل أنت على مايرام ياعزيزي؟
-بالطبع أنا بخير.
ثم إقتربت مني متمعنة النظر في وجهي ،ثم قالت:
-لحظة ،ماهذا الذي على وجهك؟
مسحت أحمر الشفاه عن وجهي باصبعها وقالت:
-ياإللهي ماهذا؟
خرجت حنان من غرفة النوم، وما أن رأتها ثريا حتى جن جنونها من جديد،وقالت صارخة في وجهي:
-من هذه ؟
-أنها حنان.
-ومن حنان أيضا يازير النساء؟
-ألا ترين ؛هي ريبوت.
-ريبوت!!
-نعم.
-لكنها امرأة..وهي خارجة للتو من غرفة نومي ،ووجهك ملون بمساحيقها..أتخونني ؟
-ههههههههه ههههههههه أخونك ..زير نساء؛ هل هذا مايهمك في الأمر .
فأخذت تكيل لي الشتائم ،ثم إنفجرت بالبكاء.
ولم تلحظ صوتي الضعيف و بأني كنت أترنح من الضعف.
* * * * * * * * * * *
تركت المنزل، وبمجرد خروجها وقعت على الأرض غائبا عن الوعي.
وكانت ثريا قد ذهبت إلى منزل أمها،
يالها من امرأة،حقا أنها كغيرها من النساء؛ بما يتعلق بالتفكير ،حقا أن المرأة ومهما كانت درجة تعلمها ومستوى ثقافتها فأن تفكيرها يبقى كما هو ،تفكيرا واحدا ؛لايتغير أبدا، نعم.. أن جميع النساء تفكيرهن واحد ،ومشاعرهن متشابهة.
ومهما كان زمنهن أو بيئتهن،إن كن فلاحات في القرية أو يعشن حياة راقية في المدينة.
أسوى كن في الماضي ،أوالحاضر ،أوالمستقبل؛فلا بد من المكابرة في الحب ،والإنهيار عند تعرضهن للخيانة أو مجرد الشك، أو التخمين في احتمالية الخيانة.
بعد أن أعمتها الغيرة ،أولنقل حب التملك ،لم تفكر حتى في وضعي الصحي ،أو عرضي على الطبيب ،ولم تلحظ ضعفي وتدهور حالتي الصحية .
بعد أن أفقت من الغيبوبة ،حملت موبايلي و حاولت مهاتفتها فانفجرت باكية من جديد وكالت لي الشتائم كما وأنها كانت تنتظر مني تلك المكالمة لتسمعني مايؤذيني من جديد:
-أنت كغيرك من الرجال ،أن الخيانة في دمائكم.. وما يدريني ماذا كنت تفعل بغيابي .. لاأرغب بسماع صوتك يا............؟
-لكنها مجرد ريبوت ياعزيزتي.
-لاتبرر.. أن مبدأ الخيانة واحد؟
ياإللهي ..لم أتوقع يوما أن تكن ثريا أنثى ؛ بل كانت رجل في ثياب امرأة، ياللغرابة ..سياسية ذات منصب كبير ونفوذ،بلحظة تعود أمرأة عندما تشعر بدخول امرأة أخرى في حياتها.
قد يكون هذا حقها في الغضب،لكن أين حقوقي أنا الذي منحتها حبي لسنوات ،وأخلصت لها دون أن أفكر طوال تلك السنوات بأمرأة أخرى ،وكنت طفلها الوديع !!
* * * * * * * * * * *
بقيت على سريري ووضعي الصحي في إنتكاس مستمر، بل أصبحت لا أقوى حتى على النهوض من السرير ،
أعاني من نوبات قلبية متكررة ،ماأن أفق من غيبوبة حتى أروح بغيبوبة أخرى.
حتى عندما هاتفها توني ليخبرها عن سوء وضعي الصحي ،لم تصدق، بل اعتبرت ذلك ملعوب منا كي تتعاطف معي .
بينما كنت يقظا أئن ،ارتفع رنين موبايلي وكنت أعتقد بأن ثريا هي المتصلة ،لكن كانت المتصلة جمانه والتي وصلني صوتها باكيا أيضا، وقالت معاتبة:
-هل وجدت البديل واستغنيت عني ياعزيزي؟
-جمانه ..ماذا ..ماذا تقصدين ياجمانه.
-أنا أقصد ريبوت المرأة الجميلة،لقد أخبرني توني عن ذلك.
لكنها لاحظت ضعف صوتي وقالت:
-مابك ياعزيزي؟
كنت في تلك اللحظة بحاجة إلى من تجلس إلى جانبي، إنسانة حقيقية، لا آلية ، قلب حقيقي..لاإلكتروني، فقد كنت أشعر بالقلق والوحدة مع إشتداد آلامي الصدرية، كذلك شعرت ؛بل تأكدت من صدق مشاعرها نحوي، فقلت لها:
-جمانه..أنا بحاجة إليك الأن...أنا..؟
-ألو ..مابك ياعزيزي.
-ج ..جمانه..؟
-أنا قادمة إليك.
خلال دقائق كانت جمانه إلى جانب سريري تمسح بيدها الرقيقة على شعري وتبلل وجهي بدموعها.
سارع توني في الاتصال بطبيبي وللصدفة كان البروفيسور موجود أيضا وحضرا معا بسرعة.
بعد وصولهما مع الطاقم الطبي والأجهزة الطبية المناسبة، من المنزل إتصل الطبيب بثريا ليخبرها عن تدهور حالتي الصحية، وأن وضعي الصحي قد أصبح حرجا جدا.
* * * * * * * * * * *
بينما كانت جمانه تمسك بيدي اليمنى ،وثريا كانت تمسك بيدي اليسرى،وقد إختلطت دموعهن؛ دموع الزوجة القاسية ،المهملة لزوجها،ودموع الحبيبة الرقيقة.
أما حنان فكانت تضع رأسها على صدري تستمع إلى نبضات قلبي مندهشة وتردد:
-أن قلبك ليس على مايرام ياعزيزي..أنت بحاجة إلى طبيب ؟
كان ..أنا الطفل يقف أمامي ينظر إلي والابتسامة الحانية المطمئنة لاتفارقه كما وأنه يريد أن يخبرني بأنه لايزال إلى جانبي.
وكان أخر ما سمعته من كلام ،أن ثريا قالت وهي تجهش بالبكاء بحرقة:
-ياإللهي ماذا فعلت بك ياعزيزي ..أنا السبب في كل ماجرى لك ، لقد قسوت عليك ؟
ثم قالت ترجو الطبيب :
أرجو نقله إلى المستشفى بأسرع وقت يادكتور؟
لكن البروفيسور هز رأسه أسفا وقال:
-لن نستطيع فعل أي شيء له..لقد فات الأوان ياسيدتي؟
-أرجو أن تقل كلاما أخر يادكتور.
- مع الأسف الشديد أن هذه هي الحقيقة .
كنت أشعر كما وأني أسقط في بئر عميق لاقرار له ..وأن جسدي أصبح خفيف جدا بخفة الريشة ،
فبدأت أشعر بما يشبه الاختناق ،
ثم رأيت نفسي محلقا في الغرفة ..ولم أعد أشعر بأي ألم بعد ذلك.
* * * * * * * * * * *
قال أنا؛ الطفل :
-عودة ميمونة ياعزيزي؟
كنت في الحافلة التي لاتزال في عمان ،فشعرت كما وأني أفقت من قيلولة صيف قصيرة ،وكانت لاتزال روحي جالسة إلى جانبي بثيابها البيضاء، فتذكرت بأني مسافر على متن حافلة إلى مدينة العقبة،قلت :
-ماذا حدث لي بعد ذلك ياعزيزي ياأنا؟
-بالطبع خرجت روحك من ذلك الجسد الجميل لتنتقل فيما بعد إلى جسد أخر..وأخر وهكذا.
-وجمانه؟
-جمانه وثريا وتوني وغيرهم ،جميعهم لم يولدوا بعد ؟
-وحنان .
-هههههههه أيضا لم تصنع بعد؟
-ياإللهي..حقا أنه مستقبل رهيب ،ليتني لم أذهب أبدا إلى هناك.
-ألم أقل لك ياعزيزي ،أن الأفضل لك البقاء في الحاضر مهما كان ذلك الحاضر كئيبا ؟
-والأن.
-الأن أريد أن أسألك إن كنت ترغب برحلة أخرى إلى المستقبل؟
-لا لا أرجوك ،لقد إكتفيت من تلك الرحلة.
-حسنا كما تشاء، لكن الأن لن تراني مجددا ،لقد آن الأوان لنلتحم معا ..لنصبح روح واحدة ،وجسد
واحد؟
- سأفتقدك كثيرا يا طفولتي ..وستنتهي متعتي في تأملك والتحدث إليك
.. أتمنى أن أرك دائما وفي كل لحظة .. سأشتاق كثيرا إلى رؤيتك ياأجمل ذكرياتي.
-قد تراني ،من يعلم..والأن أستودعك الله ..رحلة موفقة؟
ثم إخترق جسدي.
نظرت من النافذة ،فكانت الحافلة لاتزال في عمان ،أر شوارعها الجميلة وأشجارها الخضراء ،فنهضت من مقعدي وانزلت حقيبتي من الرف وتوجهت إلى قائد الحافلة وقلت له:
-من فضلك أريد النزول ؟
قال بدهشة :
-ولماذا؟
-لم أعد أريد الذهاب إلى العقبة .
-كما تشاء ؟
توقفت الحافلة إلى جانب الطريق ونزلت منها ،فأغلقت باب حكاياتي معها، وإنطلقت متابعة طريقها من دوني.
فبدأت أمشي في شوارع عمان دون ملل أوكلل،بل وكنت أتمنى أن تطول الطريق وأنا أر بعض وريقات الأشجار الصفراء تتدحرج أمامي مصاحبة لنسمات منعشة معلنة قدوم الخريف.
(وهكذا تنتهي السلسلة)
أرجو أن تكون قد نالت إعجابكم
تيسيرالمغاصبه
٢٦-٨-٢٠٢٣