(لن تشرق الشمس أبدا )
قصة متسلسلة
بقلم : تيسيرالمغاصبه
٢٠٢٤
-------------------------------------------------------
-٩-
قرية "أم الملح"
تشكلت بحيرات الملح في جميع أنحاء القرية بفعل سيول الأمطار ،وإحتكاكها بالصخور المحيطة بالقرية لتشتد حرارة القرية أكثر من السابق.
وبعد أن أصبحت القرية تابعة إلى أقرب محافظة لها ،أطلق عليها من قبل الدولة اسم "أم الملح".
وكان سكان المحافظة المرتفعة جدا بعكس أم الملح الغائرة في الأرض ؛قد ساهموا بالنصيب الأكبر في التشهير بتلك القرية ،وتلطيخ سمعتها في كامل أنحاء الدولة ،
بل وإستغلال جهل أهلها وجوعهم بشراء أراضيهم الخصبة بمبالغ قليلة،وبعد ذلك يضطر أصحاب الأراضي الأصليين للعمل عندهم في الزراعة بأجور زهيدة .
وكان أهل المحافظة لايعتبرون أهل قرية أم الملح منهم ،بل يعتبرونهم عبيدا لهم ،و عارا عليهم بالرغم من أنهم هم من ساهموا بنشر الفساد أكثر وأكثر في قريتهم ، كدخولها لطلب اللذة ،أو العمل في القودنة، أو بيع الخمور للمدمنين وغير المدمنين، وبمبالغ قليلة حتى يدمنون، بل ويبيعون الخمور بواسطة غطاء الزجاجة للأولاد بقروش قليلة،
ومن ثم ينتقلون إلى بيع الأقراص المخدرة من خلال قراصنة واصلين "ظهور لهم "يختفون وراء ظهورهم،ويحمون صغار المجرمين منهم.
* * * * * * * *
أخيرا هدأت فاطمه وسلمت أمرها لله ،وقالت ليحيى:
-هسى شو بدي أسوي بالولد إلي صار ببطني يايحيى..بكره بنفضح..وبعدين مابعرف شو بدو يصير إلي ؟
-هو إنتي هسى فيه ببطنكي ولد وإنتي مش متزوجه.
-أيوه يايحيى ؟
-فهمت ..يعني إنو حازم ضحك عليكي..يعني طلع مابحبك..بس بدو يعمل معك إشي مو كويس .
-لا مو هيك ..إحنا بنحب بعضنا ..و..أنا وافقت ..بس ماكنت أعرف إنو بدو يصير هيك؟
-صح إنو أنا زغير ومابفهم يختي يافاطمه ،بس لما يصير بينكي وبينه إشي مثل هيك لازم إنو يصير ببطنكي ولد .
-عاد أنا هبلى يايحيى شو بدي أسوي؟
-طيب ليش مايجوزكي.
-مقلت ليك إنو أهلي مش رايحين يوافقو على حازم؟
-طيب هو مش زلمه بفهم ..ليش عمل معاكي هيك.
-إحنا لثنين غلطانين مش هو لحاله؟
-أنا مش عارف إيش بدي أحكي.
-خلص يايحيى شو بدو يفيد الحكي؟
* * * * * * * *
كان يحيى قد رافق أسرته في زيارة إلى منزل أخته ساره حيث أرادت الأسرة توديع هلاله التي ستسافر إلى الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج ،فكان الحج في القرية حكرا على الأثرياء فقط..وهو يعد كمباهاة بالعز لا عبادة.
سمع أمه وأخته يتحدثن ،وقالت الأم:
- يالطيف كيف إلهم قلب يقتلوها؟
ترد أخته ساره:
-الله لايردها مش بندقت "أي زنت"؟
قالت الأم :
-عاد فاطمه بنت مسكينه بينضحك عليها بسهوله..المسكينه لساتها زغيره ..والله مافي بقلوبهم رحمه؟
ماأن سمع يحيى ذلك الحديث حتى سقطت من يده كاسة الشاي ووقف على الفور كما وأن صاعقة قد أصابته،وقال :
-إيش..كتلو فاطمه ..يعني فاطمه ماتت..لا ؟
أراد أن يجري لكنه وقع فاقدا للوعي.
* * * * * * * *
في اليوم التالي ذهب يحيى إلى المكان الذي كان يلتقي فيه بفاطمه ،جلس على الصخرة التي جلست عليها فاطمه يوم تعاهدا على الأخوة وإنهمرت دموعه مدرارا.
مر به مروان وقال له بفخر :
-وهيك ماتت فاطمه إلي إنت معتبرها أختك ياحزين ههههه قاعد بتبكي على فاطمه ..عقبال ماتموت إنت كمان مثلها وأبطل أشوفك بالمره؟
قال يحيى:
-إنت مكيف عشان أختك ماتت..طيب مهي كانت بتحبك وبتخاف عليك حتى من الهوى.
-بس هذه بندقت ولازم إنها تموت ..هيك أبوي قال..وأنا إلي طخيتها ..طخيتها براسها طلقتين؟
-شو بتقول ..إنت إلي طخيتها.
-أيوه انا ..أبوي علمني كيف أطخ..وطلب مني إني أطخها عمني أزغر واحد بخواني عشان لما تجي الشرطة وتوخذني مايعاقبوني؟
-وكان إلك قلب تكتل أختك إلي من لحمك ودمك .
-أيوه طبعا عشان شرف العيله؟
-بس فاطمه كمان أختي ..ياواطي ..هو إنتي وأهلك فيه عندكو شرف من أصلا.
-شو قصدك وله؟
نهض يحيى وقد ثار فجأة وقال:
-هسى بوريك شو قصدي، أنا هسى بدي اذبحك وفاطمه مش هون عشان إتدافع عنك ياواطي؟
وإنقض يحيى عليه كالوحش لأول مرة وهو يصرخ ..صراخا ممزوجا بالنحيب..طرحه أرضا وأخذ يلكمه، ثم أمسك حجرا وضربه به وأساح دمه ،وما أن رأى مروان الدم حتى صرخ مرعوبا.
كان زكي كالعادة يراقبهما من قريب دون أن يرياه ،وكان يتمنى هزيمة يحيى كي يسخر منه ويتشفى به كالعادة ،لكن بعد أن إنتصر يحيى مخيبا أمله،ترك موقعه وجرى إلى البيت ليزف الخبر للأب مبهرا ،ومزيدا ،ومزخرفا.
أما مروان فجرى إلى أهل يحيى أيضا ليشكوه لهم لكن كانت الشرطة الجنائية في إستقباله ،وكانت هي المرة الأولى التي تظهر فيها الشرطة في القرية الضائعة ،أو أم الملح.
* * * * * * * *
قبل وصول يحيى إلى البيت كان زكي قد سبقه إلى البيت وقال للأب :
-يابه..يابه..يحيى ضرب مروان وطبشه وقاله إنتو عيله ماعندكو شرف وأختكو فاطمه وسخه؟
قالت الأم:
-ياسااااااتر يارب ..دخيلك يارب هذا الولد بدو يفضحنا مع الناس ؟
قال الأب موجها كلامه لزكي الذي كان منتشيا بالنصر:
-روح دور إلي مطرق كله درن "يقصد عصا مليئة بالأشواك" وإستعجله بسرعه لتخليه يشرد منك؟
يصل يحيى وهو مغبر بعد العراك ليستقبله الأب ويطلب من أخوته شد وثاقه وتعليقه على الشجرة ليشفي غليله منه.
* * * * * * * *
صرخت مريم متألمة من ضربات العصا التي كانت تلهب جسد الحبيب الروحي يحيى كالعادة ،وهي تردد:
-لا..يحيى..يحيى؟
بعد ذلك تظهر آثار العصا ذات الأشواك على جسدها ،قالت الأم بقلق ودهشة بينما كانت ترفع ثوبها لترى آثار العصا على جميع أنحاء جسدها:
-دخيلك يارب..شو بدي أسوي ..وشو إلي قاعد بصير لمريم ويحيى ..لو بدي أعرضها على شيخ رايحين يقولو إنها ممسوسه..أو يقولو عني أنا إني مجنونه؟
فأحتضنت ابنتها مريم واجهشت بالبكاء.
* * * * * * * *
أما الشيخ عبد الكريم فوصل إليه صوت صراخ يحيى وإستغاثته مخترقا سمعه وقلبه، كالعادة من مسافة بعيدة، فخفق قلبه بشدة وقال :
-يحيى..إني قادم إليك ؟
وخرج على الفور بأتجاه بيت يحيى.
قبل أن يصل كان حميدان قد إنتهى من سلخ فريسته، وخرج منتشيا بينما صراخها لايزال يرن في أذنيه،ليزداد نشوة،وسعادة.
وقف فجأة متسمرا في إحدى الزقاق عندما رأى الشيخ عبد الكريم أمامه سادا عليه الطريق بينما عيناه تقدحان شرارا، وقد أصبح لونهما أحمرا كالدم.
إرتعب حميدان من قوة عبد الكريم وغضبه الشديد،أمسك الشيخ عبد الكريم بثيابه ورفعه عاليا وضربه بالجدار وهو لايزال يرفعه عاليا، ثم طرحه أرضا ووضع قدمه على رأسه وقال له متوعدا:
-أحذرك للمرة الأخيرة بألا تقسو على يحيى أيها الفاسق اللعين؟
هز حميدان رأسه بالموافقة دون أن ينبس بكلمة،
فبصق الشيخ عبدالكريم عليه وتركه وغادر.
* * * * * * * *
"خليف"...
هو شابا منحرفا، نصف أسنانه ملبسة ذهب ،جسده ممتلىء بالوشم ،بلطجي، سجن في السابق سبعة سنوات في قضية هتك عرض.
في سنة ما إختفى ثلاث أطفال ذكور من القرية تتراوح أعمارهم مابين السادسة والسابعة ، في فترات متباعدة،وسرعان ما كانوا يجدونهم مقتولين بعد تعرضهم لأعتداء ،كان أخرهم طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، كانت جثته ملقاة في السيل الجاف ،وكان مذبوحا من عنقه بسكين كالشاة.
كان خليف هو المشتبه به ،لكن لادليل يدينه.
أما الشيء الذي لايعلمه أهل القرية ،ولا خليف أيضا هو أن الشيخ عبد الكريم كان يعلم بكل كبيرة وصغيرة في القرية،
وكان يظهر لكل مذنب ويعاقبه بقدر ذنبه أو يوبخه بقدر هفوته.
* * * * * * * *
كان يحيى قد أذلته إهانات أخوته وقائدهم حميدان ..الأب..فكان يعاني من سخريتهم به وإتهاماتهم الملفقة له.
فخرج ليتجول ضاربا الحصى بمقدمة حذائه وقبل أن يبتعد كثيرا رأى شجرة تهتز أغصانها،ذهب إليها لينظر ماتحتها، فيصدم مما رآت أعينه ،لقد خرجت أخته رشيدة من تحتها وهي ترتدي ثيابها ،بعدها خرج شاب أبيض من المحافظة المرتفعة وكان أيضا يرتدي ثيابه.
قالت بكل وقاحة لثقتها بمركزها عند الأب والأسرة:
-يحيى..شو بتسوي هون؟
لكن يحيى بقي واقفا دون أن يستطيع التكلم بكلمة واحدة،
فأنهمرت دموعه بغزارة دون أن ينطق بكلمة واحدة ،فاستدار عائدا إلى المنزل ،عندما رأته أمه قالت له:
-ولك ليش بتصيح ويش مالك؟
لكنه لم يرد ، فبقي يبكي بينما دموعه تختلط بسائل أنفه بغزارة.
تصل أخته رشيدة ..يقف في مواجهتها مصدوما بها ،ومن ثم يتركهما ويذهب .
بالرغم من أن نظراته كانت نظرات عتاب وتوبيخ لكن على طريقته وموقع الضعف الذي يعيشه في الأسرة ،خرج هكذا دون أن يفشي سرها ،إلا أن أخته رشيده خافت أن يكون قد أمسك عليها ممسكا ،وأنه قد يبوح يوما لأمه، فكان لابد لها من توجيه ضربة وقائية ليحيى ، فقالت للأم محاولة أن يسمع الأب كلامها:
-يمه ..أنا عارفه ويش ماله ..أنا ماكنت بدي أحكي..بس أنا كنت أشوفه مع فاطمه لحالهم بحفر الطين ..و...بس لما قلت إله إني شفته خاف إني أحكيلكو عنه؟
قال الأب بغضب :
-الملعون ..روحي نادي عليه بسرعه قبل مايبعد؟
* * * * * * * *
تأكد يحيى أخيرا بأنه برىء من تلك العائلة الفاسقة،ولابد من خلاصه منها يوما.
في اليوم التالي يمشي يحيى بأتجاه البساتين فتقوده قدماه إلى الصخور وتكتلات الطين ،لم يلحظ أن خيال أخر كان يتبعه،
ودخل في إحدى مغر الصخور ،جلس وحيدا للحظات ،وعندما نهض إستعدادا للعودة ،إعترض طريقه خليف سادا عليه باب المغارة.
(يتبع...)
تيسيرالمغاصبه
٢٠-٢-٢٠٢٤